المصريون يستقبلون رمضان بالطقوس المعتادة على الرغم من الحر وغلاء الأسعار

علقوا الزينات في الشوارع واستوردوا «ياميشا» بـ100 مليون دولار

TT

«رمضان جانا وفرحنا به.. بعد غيابه.. أهلا رمضان».. أغنية شهيرة اعتاد المصريون أن يستقبلوا بها شهر رمضان المبارك، منذ أن غناها الراحل محمد عبد المطلب في الخمسينات من القرن الماضي، فما إن تتردد تلك الأغنية من أجهزة الراديو والتلفاز حتى ترتسم ملامح النشوة والسعادة على وجه من يسمعها، وكأنه دخل في حالة روحانية خاصة.

وعلى الرغم من أن المصريين يستقبلون الشهر الفضيل، ولأول مرة منذ 33 عاما، في شهر أغسطس (آب) الذي تبلغ فيه حرارة فصل الصيف ذروتها، وعلى الرغم من أن الكثير من الأسر المصرية تقضي عطلة الصيف في المدن الساحلية، ومع موجة غلاء الأسعار التي تشكو منها الطبقة المتوسطة، واقتراب موعد بدء الموسم الدراسي الذي سيحل بعد عيد الفطر مباشرة، وما يصاحبه من نفقات، فإن مظاهر استقبال المصريين لرمضان لم تتغير كثيرا عن الأعوام السابقة، إذ ظهرت أماكن بيع الياميش وازدحمت محال بيع الأطعمة الرمضانية، مثل الكنافة والقطايف، وانتقلت لها ظاهرة الطوابير، بعد أن كانت مقصورة على منافذ بيع الخبز، واتسعت شوادر بيع الفوانيس التي تنتشر في شوارع المحافظات المصرية، منذ بداية شهر شعبان تقريبا. حيث تعد الفوانيس التجلي الأول على مقدم الشهر الكريم. كما بدأت محلات المخللات (الطرشي) في تجهيز بضاعتها، وانتشر باعة العصائر الرمضانية في الشوارع التي ازدانت بالزينات الرمضانية، على الرغم من أن وزارة الكهرباء المصرية طلبت من المواطنين تقليل الزينات الكهربائية لتوفير استهلاك الكهرباء، الذي فاق كل معدلاته بسبب موجة الحر الشديدة التي تعرضت لها مصر خلال الأسابيع الماضية.

المظهر الثاني لاستقبال رمضان هو الزينة والأنوار التي يضعها سكان كل شارع، وتتقاطع مع النوافذ والشرفات، وأبواب العمارات، الطريف أن تعليق الزينة الرمضانية يشكل نوعا من المنافسة بين أبناء كل شارع مع الشوارع المجاورة لهم في الزينة، وعادة ما تتكون الزينة من مجسم لفانوس رمضان، وعدة لمبات كهربائية ملونة بطول الشارع، كما يتخللها أحيانا لوحات مكتوب عليها آيات قرآنية أو أدعية دينية مأثورة تتعلق بحكمة الصيام وفضائل الشهر الكريم.

وعلى الرغم من أن وزارة الكهرباء المصرية منعت هذا العام تصريحات تعليق اللمبات الكهربائية لتوفير الطاقة، التي تعاني من زيادة مفرطة في الاستهلاك، نظرا لموجة الحر الشديدة الحالية، فإن هذا المنع لم يفلح في منع المواطنين من تعليق الزينات الرمضانية.

ومنذ منتصف شهر شعبان، بدأت محال العطارة والحلويات في عرض «ياميش رمضان» الذي تشير تقديرات الإدارة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية إلى أن تكلفة استيراده هذا العام بلغت 100 مليون دولار. وتتفاوت أسعار الياميش من منطقة لأخرى، إذ يزيد سعر أصنافه المختلفة في المناطق الراقية بنحو 50 جنيها عن المناطق الشعبية.

أما عن الكنافة والقطايف، أشهر المأكولات الرمضانية في مصر، فأعدت المحلات التي تبيعهما العدة للشهر الفضيل قبل نحو أسبوع، وبدأ الزحام على تلك المحلات يتزايد تدريجيا حتى يصل إلى ذروته في أول أيام رمضان، ويظل مستمرا على هذا الإيقاع على مدار 30 يوما.

وتتفنن ربات البيوت المصريات في إعداد أصناف شهية من الكنافة والقطايف خلال شهر رمضان، كما تقدم محلات الحلويات كل عام الجديد في هذا المجال، وكانت آخر صيحة في هذا النوع هي الكنافة بالمانجو والتوت.

أما عن المخللات (الطرشي)، التي تلاقي رواجا شديدا في شهر رمضان، فتبدأ محلات بيعه الاستعداد للشهر الكريم قبله ببضعة أشهر، لتخليل الأنواع التي تحتاج لوقت طويل، مثل الليمون والزيتون والبصل والجزر، إذ إنك قد تحتاج إلى «واسطة» إذا أردت الحصول على طلبك، نظرا للزحام الشديد الذي يصاحب عملية البيع. وتبتكر محلات المخللات كل عام أنواعا جديدة من المخللات، كان آخرها تخليل بعض أنواع الفواكه، مثل الجوافة والمانجو.

وعلى صعيد آخر، ينظم الشباب في مختلف المحافظات المصرية دورات للعب كرة القدم، في الأندية والساحات الشعبية ومراكز الشباب، تحت اسم «الدورات الرمضانية»، بعضها يكون في ملاعب خماسية، والآخر في ملاعب شعبية، وتمتد هذه المباريات إلى ما بعد الإفطار.

وتعد «دورة حورس» من أشهر الدورات الرمضانية في مصر، وتذاع مبارياتها في التلفاز، ويشارك فيها علاء وجمال نجلا الرئيس المصري حسني مبارك في فريق «الصقور».

ويحاول المصريون كل عام ابتكار أساليب جديدة للتغلب على غلاء الأسعار، منها قيام عدد كبير من محلات «السوبر ماركت» ببيع ما تحتاجه الأسر المصرية من مواد غذائية بشكل مجمع، أطلقوا عليه «شنطة رمضان»، ويكون سعرها مخفضا بعض الشيء. وتلاقي هذه الشنط إقبالا من الأسر المصرية لما تحققه من توفير، قد يصل إلى عشرات الجنيهات.. لكن هذا العام يخشى الكثير من المصريين أن يؤثر غلاء الأسعار على موائد الرحمن، التي أصبحت تشكل منفذا للفقراء والمعوزين، وتقام في المساجد والشوارع والنوادي والأزقة في شتى ربوع البلاد.

وفي محاولة للحد من موجة الغلاء، أعلنت الحكومة المصرية عن توفير أطنان من اللحوم والدواجن المستوردة في المجمعات الاستهلاكية الحكومية بأسعار مخفضة، في الوقت الذي تجاوز فيه سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم البلدي 60 جنيها (نحو عشرة دولارات)، في زيادة غير مسبوقة.

من جهة أخرى، دشنت القنوات التلفزيونية المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة، حملة دعاية مكثفة قبل شهر من بداية شهر رمضان، للإعلان والتنويه بالمسلسلات والأعمال الدرامية التي ستقدمها على شاشاتها في الشهر الكريم، التي بلغت تكلفة إنتاجها مليارات الجنيهات.

فتحت شعار «كله حصري على التلفزيون المصري» جاءت حملة التلفزيون الحكومي المصري، بينما أطلقت قنوات الحياة الخاصة على حملتها شعار «مسلسلاتك عندنا واسأل مجرب من السنة اللي فاتت»، بينما لم تغب القنوات الدينية عن السباق، إذ حرصت على الإعلان في الصحف والقنوات التلفزيونية عن برامجها الدينية الجديدة والدعاة والشيوخ الذين سيقدمون تلك البرامج.

شركات الهواتف الجوالة أصبحت أحد معالم شهر رمضان، إذ تقدم كل عام عروضا جيدة تتضمن أسعارا مخفضة للاتصالات، وعددا من الدقائق والرسائل القصيرة المجانية.

وعلى الرغم من أن وزارة الاتصالات حذرت شركات الهواتف المحمولة العاملة في مصر (3 شركات) من حرق الأسعار، أو تقديم الخدمة بأقل من تكلفتها، فإن هذا لم يمنع تلك الشركات من تقديم عروض مخفضة بشكل كبير.