صيام السوريين على موعد مع الحر الاستثنائي وارتفاع الأسعار والنهار الطويل

الحكومة خفضت ساعات الدوام للتخفيف عن الموظفين

الخضار والفواكه ترتفع أسعارها في شهر رمضان بدمشق («الشرق الأوسط»)
TT

إنه يتكرر كل عام، ولعله أصبح تقليدا رمضانيا كما هو حال مشاهدتنا لمسلسلات البيئة الشامية وخاصة «باب الحارة»، لكن صيام رمضان هذا العام لن يكون مثل كل عام، فدرجات الحرارة في ارتفاع، والأسعار أيضا في ارتفاع، فضلا عن النهار الطويل الذي يثقل كاهل صيام الكثيرين.

يقول عمار، الموظف في إحدى شركات القطاع العام بدمشق، معلقا على موجة ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة واللحوم مع بداية الشهر الفضيل: «باب الحارة وغيره من المسلسلات تقدم لنا المتعة والتسلية وتصيبنا بحالة من الانشراح، ونحن ندير الريموت كونترول لنتابعها على الفضائيات وبشكل مجاني دون أن ندفع فلسا واحدا، في حين أن ارتفاع الأسعار يصيبنا باليأس والإحباط». ومع أن الدمشقيين يستقبلون الشهر المبارك مبكرا ويقيمون له الزينة، حيث تنشط محلات بيع مفردات الزينة بمختلف أنواعها وأشكالها من العادية والتراثية وحتى الكهربائية بألوانها المتميزة وعباراتها المرحبة بقدوم الشهر الكريم وقبل قدومه بشهر يحتفي الدمشقيون به من خلال هذه المفردات الجميلة، ولكن تبقى الأسعار منغصهم الأول، ومع تشدد الجهات الرقابية وحماية المستهلك بعدم رفع أسعار المواد الاستهلاكية، ومنها تعميم صدر قبل أيام قليلة عن وزارة الاقتصاد والتجارة السورية يطلب من اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة واتحاد الفلاحين العمل على توجيه الفعاليات الاقتصادية التابعة لهم للتقيد بالأسعار المحددة أصولا للمواد الاستهلاكية خلال الموسم، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك واستعداد المواطنين لشراء المواد والسلع الاستهلاكية وإقبالهم على المواد الغذائية والفواكه والأطعمة والمشروبات بشكل خاص.

ومع كل هذه الإجراءات والتعاميم تبقى الأسعار محلقة حتى قدوم عيد الفطر لتعود لطبيعتها، هذه الحكاية التي تتكرر كل عام، كما يقول عمار وغيره الكثير من الدمشقيين، تقابلها حالة مغايرة ومناقضة على الجانب الآخر والمقصود هنا المطاعم الدمشقية بمختلف تصنيفاتها السياحية ونجومها المتعددة حيث تتنافس على تقديم الأجود وبأسعار خاصة أقل مما كانت عليه قبل شهر رمضان وذلك جذبا للصائمين ولتوفير أجواء مريحة لهم في طقس اجتماعي حميمي روحاني تتخلله عروض تراثية كالحكواتي والمولوية والعراضة الشامية خاصة في المطاعم الكبيرة التي تنتشر في ريف دمشق وفي مطاعم دمشق القديمة بعكس تجار الخضار والفاكهة واللحوم الذين رفعوا الأسعار على الرغم من أن هناك منتجات تعتبر في عز موسمها وتكون أسعارها رخيصة عادة في فصل الصيف كالفاصوليا والبندورة والخيار والكوسا وغيرها، في حين أن اللحوم الحمراء وخاصة لحم الغنم البلدي والتي أسعارها مرتفعة لأسباب كثيرة منذ أكثر من عام ارتفعت هي الأخرى أكثر فأكثر لزيادة الطلب عليها في الشهر الفضيل، حيث لا غنى عنها في وجبات الإفطار الدسمة.

موجة غلاء أسعار المنتجات الاستهلاكية قبل الشهر الفضيل وخلاله والتي تعود عليها السوريون يرافقها هذا العام موجة أخرى لا علاقة للتجار بها هذه المرة (يضحك أنس زميل عمار في العمل وصديقه الذي كان يجلس معه في أحد مقاهي دمشق الشعبية) ويقصد أنس هنا موجة الحر الشديدة التي تشهدها العاصمة السورية وباقي المدن منذ الأول من شهر أغسطس (آب) الحالي، وأدت إلى حصول انقطاعات في التيار الكهربائي وإلى زيادة الطلب بشكل كبير على المكيفات، حيث سارعت وكالات ومحلات بيعها إلى نشر الإعلانات الكثيرة عنها لبيعها بالتقسيط وبمناسبة قرب موعد حلول شهر رمضان وليستطيع الصائم بواسطتها التخفيف من أثر الحر في منزله وعلى جسمه عندما يستقبل هواءها المنعش، والذي - يقول أنس ضاحكا - «ياأخي أتينا في منزلنا بمكيف طن واحد فقط، وكان هواؤه ناعما ولكن سيكلفنا دفع قيمة فواتير كهرباء مرتفعة بالتأكيد، فهو يستهلك طاقة أكبر ولذلك تنقطع الكهرباء وتقنن حتى تستطيع إدارتها تأمين التيار الكهربائي بشكل مقبول للجميع». وبالفعل فموجة الحر التي لم تكن متوقعة وحسب خبراء المناخ قد تستمر حتى أيام شهر رمضان الأولى، ويعلق عمار متحدثا بكلام الواثق من معلوماته معتمدا على أحاديث يسمعها من كبار السن أن الحرارة المرتفعة التي زادت ثماني درجات تقريبا عن حدودها الطبيعية ستنحسر بعد منتصف الشهر الحالي، حيث يكون الطقس عادة في النصف الثاني من أغسطس والذي يأتي مع أيام رمضان ألطف من منطلق المثل الشعبي الذي يقول (في آب الجو عاب) أي متغير وفيه تيارات هوائية معتدلة، بينما المثل الشعبي يقول عن نصفه الأول (آب اللهاب).

ومهما كان الأمر فالدمشقيون والسوريون بشكل عام استعدوا للشهر الفضيل مع حرارة الطقس العالية من خلال الاعتماد على عدد من الإجراءات، ومنها الاستفادة من قرار الحكومة السورية بتخفيض عدد ساعات الدوام الرسمي ساعة ونصف الساعة، حيث قررت جعله من التاسعة صباحا حتى الثالثة ظهرا، بدلا من الثامنة صباحا وحتى الثالثة والنصف ظهرا للعاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها، كذلك من خلال الاعتماد على المأكولات والمشروبات الخفيفة في موائد الإفطار وكذلك إطالة فترة النوم بمرحلة القيلولة التي يحرص الكثير من السوريين على النوم فيها ولو لدقائق قليلة كحالة اعتيادية، وقد تكون متوارثة ولذلك ومع وجود التوقيت الصيفي المعتمد حتى الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وطول النهار فالكثير من الصائمين سيطيلون فترة نوم القيلولة قبل حلول موعد الإفطار.

عروض كثيرة بدأ الإعلان عنها بمناسبة قدوم الشهر الفضيل وقد دخلت على خط العروض مؤسسات ثقافية سورية عامة وخاصة تدخل لأول مرة هذا المجال ومنها المؤسسة العامة للسينما التي أعلنت عن تقديم عروض منتصف الليل من خلال تظاهرة فنية خاصة بشهر رمضان، حيث قررت تقديم أحدث إنتاجات السينما العالمية وبعض الأفلام الشهيرة في تاريخ السينما العالمية في عرض يومي، بدءا من أول الشهر الفضيل في الساعة 12 ليلا وحتى بعد عيد الفطر. في حين أن المراكز الثقافية العربية التابعة لمديرية ثقافة دمشق وعددها ستة مراكز قررت توقيف أنشطتها الثقافية من أمسيات شعرية ومحاضرات وندوات كما هو الحال في كل عام في شهر رمضان، حسب الأجندة الخاصة بها، كون أن مواعيد هذه الأنشطة تكون عادة في وقت موعد الإفطار وبالتالي لن يكون هناك جمهور يحضر هذه الأنشطة كما هو الحال في الأيام العادية. مؤسسات ثقافية من نوع خاص تنشط أيضا مع اقتراب الشهر الفضيل وهي المطابع والتي تكثر إعلاناتها متنافسة على جذب التجار والشركات والفعاليات الأخرى لطباعة إمساكية رمضان عبر تصاميم مبتكرة جميلة توزعها هذه الفعاليات مجانا على روادها وعلى الناس كنوع من الدعاية لمنتجاتها مع فائدة للناس من خلال برنامج الإمساكية ومواعيد الإفطار والسحور وغيرها من المعلومات التي تهم الصائم.