الدكتور علي جمعة: رمضان أعظم مدرسة نهلت من معينها الكثير من دروس التربية والالتزام بطاعة الله

مفتي مصر يروي لـ «الشرق الأوسط» عشقه لأجواء المساجد وهو صغير ويتحدث عن حكمة وفلسفة الصيام

د. علي جمعة يتحدث في أحد اللقاءات بالقاهرة (رويترز)
TT

كما تتعدد الحكم من الصيام هناك محطات زمنية يجب أن يتوقف عندها المسلم. وشهر رمضان من أهم هذه المحطات كما يؤكد الدكتور علي جمعة مفتى الديار المصرية، معددا فوائد الصيام في أنه وسيلة للتقوى وتعويد النفس على شكر النعمة، وأنه في وضع الشريعة الإسلامية يكون بالأهلة حتى يخف تارة كما في الشتاء، ويثقل أخرى كما في الصيف حتى يعم الابتلاء الجهتين جميعا: جهة الشكر وجهة الصبر.. ويروي مفتى مصر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ذكرياته في رمضان والدروس والمواقف التي عايشها خلال الشهر الكريم منذ طفولته وكان لها تأثير طيب على مسيرة حياته فيما بعد، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

* ما بصمات شهر رمضان في حياة الدكتور علي جمعة؟

- الحمد لله نشأت في أسرة متدينة يتمسك جميع أفرادها بقيم الإسلام ويطبقونها، وكان لذلك أثر كبير في تنشئتي تنشئة صالحة، فكان والدي رحمه الله تعالى من الجيل المثقف الذي يقدس القيم، وكان أبي محبا للعلم والثقافة، وكان دائما ينصحني بالقراءة والإطلاع وكان يكافئني دائما عندما يراني اشتري كتابا جديدا، وبالتالي فأنا نشأت محبا للعلم والقراءة واقتناء الكتب والمؤلفات، وكان يصحبني معه وأنا في سن صغيرة إلى الصلاة في المسجد خاصة صلاة التراويح في شهر رمضان. وكذلك تدربت على الصيام وأنا في سن صغيرة، فرمضان كان بالنسبة لي مدرسة نهلت من معينها الكثير من دروس التربية والالتزام وأخذت دروسا عملية في معرفة قيم التكافل والرحمة والتسامح والتعاون بين الناس، خاصة عندما كنت أرى الناس يأتون إلى البيوت ليهنئوا بعضهم بعضا بمناسبة شهر رمضان ويتبادلوا الهدايا التي هي عبارة عن مختلف أنواع الأطعمة، وغير ذلك من العادات والتقاليد الطيبة التي تسود في الريف المصري.

* لكن هل ترى هذه العادات والتقاليد الجميلة التي تفرد بها شهر رمضان ما زالت موجودة في أيامنا هذه؟

- من خلال ما نراه في الواقع فإن معظم هذه التقاليد اندثرت خاصة في ظل طغيان المدنية الحديثة وتطور العصر، لكن أعتقد أن رمضان في الريف ما زال يحافظ على بقية من هذه التقاليد الرمضانية.

* لكن ماذا عن ذكرياتك في شهر رمضان خاصة في مسيرتك الدعوية؟

- ذكرياتي في شهر رمضان ذكريات جميلة. عندما أعود بالذاكرة إلى الوراء، وأتذكر حياتي في رمضان خصوصا عندما كنت أقضي معظم وقتي من ليال في منطقة الأزهر والحسين، هذه المنطقة التي يفوح منها عبق التاريخ ويكسوها جو روحاني، فكنت أذهب إلى الصلاة في الجامع الأزهر ومسجد الحسين وأستمتع بالاستماع إلى دروس العلم وقراءة القرآن بأصوات مشاهير القراء في مصر والتجول في المكتبات ومعارض الكتب التي كان يتم إقامتها سنويا خلال شهر رمضان بالأزهر، وكذلك متعة السفر لأداء العمرة، وكذلك رحلاتي الدعوية إلى الخارج في الدول الغربية والعربية، لكن لم أجد جوا جميلا لرمضان الذي هلت علينا نسماته بالخير والبركة إلا في مصر.

* يعتقد بعض الناس أن قيامه بإفطار الصائم الفقير أفضل من غيره، فهل يشترط أن يكون الصائم فقيرا لكي يحصل من يفطره على أجر عظيم؟

- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطر فيه صائما كان له مغفرة من ذنوبه، وعتق رقبة من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، قلنا: يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم فقال صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء».. فهذا الحديث يدل على ثواب من فطر صائما ومدى فضل فاعل ذلك عند الله وليس في الحديث اشتراط كون الصائم فقيرا، فالحديث عام في كل صائم فالله ذو فضل عظيم، ولو كان عملا قليلا فثواب الإفطار يحصل لمن فطر صائما على أقل القليل كما ورد في الحديث النبوي.

* في رأيك ما الحكمة في اختصاص شهر رمضان بالصيام دون غيره من بقية الشهور؟

- الصوم في وضع الشريعة الإسلامية يكون بالأهلة حتى يخف تارة كما في الشتاء، ويثقل أخرى كما في الصيف حتى يعم الابتلاء الجهتين جميعا: جهة الشكر وجهة الصبر، والصوم أعظم أركان الإسلام، وشهر رمضان قد اختصه الله تعالى بخصائص تميزه عن غيره من بقية الشهور فهو شهر القرآن يقول الله تعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه».. وفيه ليلة القدر وفيه تصفد الشياطين ويضاعف الله تعالى الثواب لعباده.

* ما رأي الدين فيما يسمى بالخيام الرمضانية التي تقام في النوادي والفنادق؟

- هذه الخيام الرمضانية يتحدد حكمها تبعا لما يقام فيها فإذا اشتملت على ما ينفع الناس ويعود عليهم بالخير والفائدة أو كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي حلال ولا بأس بها، أما إن عجت بالمفاسد والمنكرات والتبرج والاختلاط المثير للغرائز واشتملت على ما لا خير فيه ولا نفع من ورائه فهي حرام.

* هناك سؤال يطرحه كثير ممن يسافرون بالطائرات في أثناء شر رمضان..على أي توقيت يفطر هؤلاء المسافرون؟

- علق الشرع الإسلامي الإفطار والإمساك بتبين الصائم غروب الشمس وطلوع الفجر قال الله تعالى: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل». وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم». وهذا يدل على أن العبرة في الإفطار تحقق الصائم من الظلمة، إما حسا برؤيته هو، أو خبرا بتصديق من يعتد بإخباره في ذلك.. وكذلك الحال في الإمساك، العبرة فيه بتحقق المكلف من طلوع الفجر الصادق، إما حسا برؤيته هو، أو خبرا بتصديق من يعتد بإخباره. وبالتالي فإن الإفطار المعتبر في حق المسافرين بالطائرة إنما هو برؤيتهم غروب الشمس بالنسبة إليهم وفى النقطة التي هم فيها، ولا يفطرون بتوقيت البلد التي يحلقون عليها ولا التي سافروا منها ولا التي يتجهون إليها، بل عند رؤيتهم غروب الشمس بكامل قرصها فإن طالت مدة الصيام طولا يشق مثله على مستطيع الصوم في الحالة المعتادة فلهم حينئذ أن يفطروا للمشقة الزائدة المركبة في السفر، وليس لانتهاء اليوم، وعليهم أن يقضوا الأيام التي أفطروها، وعلى ذلك فإن ما يقوله قواد الطائرات من الإفطار على ميقات البلد الأصلي أو البلد الحالي غير صحيح شرعا. وهناك حالة تغيب فيها الشمس ثم تخرج مرة أخرى من جهة المغرب لسرعة الطائرة وهنا يفطر الصائم عند غيابها الأول، ولا يلتفت لردها وعودتها.