السفير السعودي في البوسنة: أحيانا نضطر لتأجيل الإفطار عند استقبال كبار المسؤولين

عيد الثقفي لـ «الشرق الأوسط»: أفطرت على تمرات حملتها في جيبي عند استقبال رئيس في المطار

بوسني لدى حضوره صلاة عيد الفطر في أحد مساجد سراييفو (إ. ب. أ)
TT

فئة من الناس لا يعرف كثير من الناس عنها الكثير، ولا عن طبيعة عملها، ولا عن مشاعر الكثير منها، وهي رجال السلك الدبلوماسي، ومحاولة من «الشرق الأوسط» للوقوف على شطآن هذه الشريحة المهمة في حياة الشعوب والأمم كان لنا بعض اللقاءات مع عدد من السفراء في البوسنة، ليحدثونا عن رمضان في حياتهم. في بلدانهم ومراتع الصبى، والأماكن التي عملوا فيها، واختلاف العادات والتقاليد بين دولة وأخرى، والتطرق إلى بعض المواقف التي حصلت لهم في البلدان التي عملوا فيها أو يعملون فيها حاليا، وكان لقاؤنا مع السفير السعودي في سراييفو، عيد بن محمد الثقفي.

وقال الثقفي «بحكم ولادتي في الرياض ونشأتي هناك، أتذكر صوم رمضان في فترة الصبى، وكيف كانت الحارات تستعد له، بما في ذلك الناحية النفسية، فمجتمع رمضان مجتمع مثالي نموذجي، حيث نلمس ترابط السكان والجيران، فقد كانت العاصمة الرياض مدينة صغيرة. وأتذكر ونحن صغار كيف كنا نحمل الإفطار إلى الجيران، وكان الجيران يقومون بإهدائنا بعض ما يطبخونه من أطعمة رمضان».

ويشير السفير السعودي إلى عدد من الأطعمة السعودية كالسليق، والمطبق، والمندي، وغيرها. وإن كان السعوديون كأغلب أهل الخليج يفطرون على التمر والقهوة «أكيد، القهوة والتمر هما من أول ما يفطر عليه أغلب السعوديين، وفي الغالب تكون السنبوسة حاضرة باستمرار».

ويقضي السفير السعودي عيد بن محمد الثقفي شهر رمضان منذ 12 عاما خارج المملكة العربية السعودية حيث عمل في عدد من الدول من بينها اليونان، وتركمانستان، وبوركينا فاسو، وهو اليوم سفير لبلاده في البوسنة التي أحبها، ولا يفتأ يشيد بأهلها «عملت في اليونان وهي دولة معظم أهلها غير مسلمين، لذلك لا يشعر الإنسان بالجو الرمضاني، ولكننا تمكنا بعون الله، ثم بالتعاون مع الزملاء، ومع البعثات الدبلوماسية العربية في المنطقة من تهيئة جو رمضاني مناسب، وإن كان في دائرة معينة».

عمل السفير عيد الثقفي 4 سنوات في اليونان قبل الانتقال إلى تركمانستان «بقيت في اليونان 4 سنوات. والمواطنون المسلمون يوجدون في الشمال، ولا يتركزون في العاصمة مثل غيرهم من المسلمين في دول أخرى، ولكن توجد في أثينا جالية إسلامية ولكنها ليست كبيرة». ولا يرى السفير عيد أن هناك اضطهادا كبيرا للمسلمين في اليونان «المسلمون في اليونان يتواصلون بالسفارة ويحصلون على الحج والعمرة، والحكومات هناك ليست لديها مواقف معادية للمسلمين».

تغيرت الأجواء نسبيا في تركمانستان لدى السفير عيد، وبدأ يشعر إلى حد ما بوجود نفحات رمضان، وكأنه على موعد من الحسن إلى الأحسن، وهي مراتب تسير نحو الأفضل من مكان إلى آخر يحط فيه الرحال لتمثيل بلاده المملكة العربية السعودية أحسن تمثيل «بدأت في تركمانستان، ألمس الجو الرمضاني، بحكم أن غالبية السكان مسلمون، وعملت في بوركينا فاسو، وكان الجو أفضل من تركمانستان، وبدأت حقيقة أحس بطعم رمضان، حيث كانت هناك مصليات كثيرة، وأجواء رمضانية بارزة، وكانت هناك إفطارات جماعية، والسفارة تقوم بتنظيم إفطارات جماعية في المساجد».

كانت بوركينا فاسو، أفضل رمضانيا من تركمانستان التي لا تزال تحمل ندوب الشيوعية على مدى 70 عاما، ولم تتحرر بعد من إرثها الكولونيالي، أما البوسنة فقد كانت أفضل من جميع الأماكن التي عمل فيها، وله في ذلك حجته، وشواهده التي لم يلحظها في البلدان التي عمل فيها سابقا «بعد ذلك قدمت إلى البوسنة، ولاحظت أن المسلمين هنا لهم اهتمام خاص برمضان، ويستعدون له قبل دخوله، ويعدون البرامج الثقافية المرافقة مما يعطي رمضان أبعادا روحية وحضارية عارمة». ويمضي قائلا «تضيء منارات المساجد منذ شهر رجب، وتظل كذلك حتى نهاية رمضان، وهو نوع خاص من الاحتفاء الذي لم ألاحظه من قبل في البلدان التي عملت بها».

ومع ذلك وعلى الرغم من نعيم الطبيعة، ونعيم الصداقات، ونعيم الطعام، لا يرى السفير عيد الثقفي أن ذلك كله يعادل الحياة في رمضان بالرياض «ومهما يكن فمتعة رمضان في المملكة لا تعادلها أي متعة».

يلاحظ الثقفي بلا أدنى شك وجود اختلافات في العادات والتقاليد والأطعمة وغيرها «هناك طبعا اختلاف في العادات، فقد كنا نلاحظ نظرات تعجب من الإفطار على التمر والقهوة، لكننا نعتبر التمر أساسيا عند الإفطار كما هو الحال في الكثير من البلدان الإسلامية، فالبعض ممن كان لنا احتكاك بهم في بلدانهم يرون أنه من غير الطبيعي الإفطار على قهوة حارة. بينما نحن القادمون من مناطق حارة لا نرى أي مشكلة في ذلك وقد تعودنا على أساليب العيش هذه والتي تختلف من دولة لأخرى».

لم يشعر السفير الثقفي بغربة، سواء كانت غربة خاصة، أو غربة رمضان في البوسنة كما هو الحال في عدد من البلاد بما فيها بلاد إسلامية عربية، ويشعره ذلك بالارتياح الكبير «ما يخفف عنا في البوسنة اهتمام المسلمين برمضان، هذا الشهر المقدس. فهنا لا ينقصنا الجو الديني، تعمر المساجد بالمصلين، ولاحظنا التزام الإخوة في البوسنة بشعائر رمضان، والصلاة، والقيام، وتتميز البوسنة بجو خاص، وهو قيام المسلمين بدعوة بعضهم بعضا وكذلك الزوار والمقيمين لموائد إفطارهم الرمضانية، ودعوة السفراء المسلمين للإفطار عندهم، فهنا تفاعل ولحمة بين المسلمين على مختلف جنسياتهم».

من المواقف التي لا تنسى هي إفطار السفير الثقفي في ساحة القصر الرئاسي بتركمانستان على تمرات حملها في جيبه، عندما حان الإفطار، لاضطراره لذلك، حيث كان ملزما بالإجراءات الدبلوماسية، مما يعكس، كما يقول، صعوبة عمل الدبلوماسي والتزامه بالبروتوكولات الدبلوماسية، «أذكر بأني كنت آخذ التمر في جيبي عندما عملت في تركمانستان، وذلك عندما يكون هناك استقبال أو توديع وهي من المظاهر الدبلوماسية». لم تكن مرة واحدة بل كثيرا ما حصل ذلك «عدة مرات أخذت التمر وأفطر مع بعض زملائي من رؤساء البعثات الدبلوماسية المسلمين الملتزمين في ساحة القصر الجمهوري على التمر الذي أجلبه معي». ويضيف «هذه طبيعة عملنا، فالواجبات البروتوكولية تدفعك لخروجك عن نظامك في رمضان كالإفطار في البيت».