رمضان في كردستان: ارتفاع جنوني للأسعار مع حلول الشهر الفضيل

الحديث يتجدد عن «الحيتان الكبار»

الكثير من المواد الغذائية أصبحت في السنوات الأخيرة تدخل إلى إقليم كردستان من دول الجوار على حساب المنتج المحلي
TT

قبل بضعة أيام من حلول شهر رمضان المبارك أطلق «حيتان» التجارة في كردستان بالون اختبار بفرض زيادة ملحوظة على أسعار المواد الغذائية، ما أثار مخاوف السكان، ونغص عليهم فرحة استقبالهم للشهر الفضيل، واستعدادهم لأيام صعبة من الصوم مع الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، التي زادت وطأتها مع الارتفاع الجنوني للأسعار، خاصة أسعار المواد الغذائية في اليوم الأول من بداية الشهر الكريم. حتى إن مواطنا دعا تجار المدينة لعدم الصوم، وأفتى، من دون أن يملك حق الفتوى، بأن صيامهم غير مقبول، طالما لا يشفقون على الناس، ويقول بعصبية واضحة «خطاياهم برقبتي، صيامهم غير مقبول، لأنهم يمتصون دماء الناس» ويضيف «شهر رمضان هو شهر التوبة والتسامح والخيرات والصدقات، وهؤلاء التجار بدلا من أن يساعدوا الناس ويتصدقوا بأموالهم ويكثروا من خيراتهم، تراهم يلهثون مثل (...) لينهشوا أجساد الناس الفقراء، أقسم بالله الكريم في هذا الشهر الفضيل، إن ما يجنونه من تجارتهم هو مال حرام.. حرام.. حرام!».

وتقول برشنك محمود (ربة بيت) «هذه حالنا، في كل سنة مع حلول شهر رمضان ترتفع الأسعار بشكل جنوني غير مسبوق. فقبل شهر كنا نشتري أربعة كيلوغرامات من الخيار بألف دينار، اليوم وصل سعر الكيلوغرام الواحد فقط إلى ألف دينار، هذا يعني ارتفاع الأسعار أضعافا مضاعفة، وقس على ذلك أسعار بقية الخضر والفواكه، التي ارتفعت أسعارها وبشكل جنوني».

ويلوم الموظف محمد سليم، حكومة الإقليم بقوله «اللوم يقع على الحكومة التي تركت الأسواق مفتوحة أمام بعض التجار الجشعين والمجردين من ضمائرهم الإنسانية، فهي تتفرج على السوق من دون أن تبادر بخطوة واحدة لوضع حد لهذا الجشع»، ويتابع «قبل سنتين كانت حكومة الإقليم قد شكلت لجنة لمعالجة مشكلة الغلاء في الأسواق، ولكننا لم نسمع عن أي إجراء بهذا الشأن، بل ظلت التجارة مفتوحة وسائبة من دون رقيب أو حسيب، واليوم حكومتنا الإقليمية لا يرد بخاطرها ولو اتخاذ إجراء مؤقت لحين مرور هذا الشهر الكريم بسلام على الصائمين، أنا موظف بسيط، وراتبي لا يتجاوز 350 ألف دينار، ولي خمسة أطفال، فكيف يمكنني إطعامهم في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار؟!».

ويوافقه الرأي (نريمان. ن) بالقول «الحكومة تقول إن التجارة حرة، فهل يجب أن تكون حرية مجموعة صغيرة من التجار على حساب مجموع المجتمع، رحم الله صدام حسين، الذي كان يمسك الدولة بقبضة من حديد، فمن كان يجرؤ في عهده أن يحرق الأسعار لهذه الدرجة، ألا تتذكرون كيف أعدم مئات التجار في بغداد، الذين كانوا يحتكرون السوق، إن تجارنا اليوم (أنجس) من أولئك التجار المعدومين، فلماذا لا تتحرك الحكومة، التي انتخبناها لمعاقبتهم».

وتقول السيدة نسرين (65 سنة): «الصمت المريب من الحكومة تجاه جشع التجار يجعلنا نشك بأنهم شركاء معهم، وإلا كيف تفسر سكوتهم عن امتصاص دماء الشعب من قبل هؤلاء التجار؟!».

هذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية مع حلول الشهر الفضيل دفع لجنة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى اجتماع طارئ مع رئيس وأعضاء لجنة حقوق رجال الأعمال في البرلمان الكردستاني بهدف إيجاد حل سريع لهذه الظاهرة المتكررة في كل شهر رمضان، ولم يدخر خطباء الجمعة وأئمة المساجد جهدا أن يدعوا في خطبهم إلى الالتفات لهذه الظاهرة، وأدانوا في مجملهم هذا الارتفاع، داعين التجار إلى الرحمة والرأفة ومساعدة الناس في صيامهم، ولكن لا حياة لمن تنادي؟!».

اللافت أنه مع انتهاء شهر رمضان من كل عام تعود الأسواق إلى طبيعتها السابقة للشهر، بل إن معظم المحلات التجارية، خاصة التي تبيع الملابس والأقمشة تعلن عن حملة تخفيضات هائلة في تلك السلع التي تبقى في مخازنها، كما تعود أسعار المواد الغذائية لسابق عهدها، وهذا دليل على استغلال مجموعة من التجار لحلول هذا الشهر، وحاجة الناس المتزايدة إلى المواد الغذائية بشكل أكثر من الشهور السابقة في السنة.

هذا الاستغلال البشع يدفع بالمواطن (خير الدين. س) إلى القول «المعادلة بسيطة يا أخي، فهناك تجار جشعون ومستغلون، وهناك حكومة مسؤولة عن الناس، ويفترض بالحكومة أن تنصر الناس وتنتزع حقوقهم من أيدي التجار، ما دامت لا توفر الغذاء للناس، وعلى الأقل يفترض أن تقوم بواجبها في ردع الاستغلال ومحاسبة القائمين به، وهذا أقل واجب للحكومة تجاه مواطنيها».

يذكر أن الكثير من المواد الغذائية أصبحت في السنوات الأخيرة تدخل إلى إقليم كردستان من دول الجوار، وكل ذلك على حساب المنتج المحلي، وانخفاض أسعار تلك المواد المستوردة، قياسا إلى أسعار المواد المحلية، خلق نوعا من التنافس لصالح المنتج المستورد من تلك الدول، حتى اللبن الذي كانت أربيل تشتهر بإنتاج أجود أنواعه بات يستورد من تركيا، ومعظم الخضر والفاكهة تأتي من إيران وسورية، ومما رجح فوز المنتجات المستوردة على المنتج المحلي هو السعر التنافسي، فالمزارع الكردي يعاني من ارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل، الذي يضع عبئا على سعر المنتج، بعكس المواد المستوردة بآلاف الأطنان من دول الجوار، التي لا يكلف نقلها مثل تلك المبالغ، وفي لقاء سابق لـ«الشرق الأوسط» مع مستشار الأمن الغذائي لرئيس الحكومة، أشار بوضوح إلى «افتقاد الإقليم ما يسمى بالأمن الغذائي، لأن نسبة 90 في المائة من المواد الغذائية للإقليم تأتي من دول الجوار، فإذا أغلقت تلك الدول حدودها مع كردستان ستحدث مجاعة حقيقية؟!».

ومع ذلك، وفي ظل تراجع سياسة دعم المنتج المحلي، وفتح أبواب التجارة الخارجية بشكل سائب وغير منضبط، فيبقى المواطن دائما وأبدا تحت رحمة مجموعة صغيرة من الحيتان الكبار، على حد قول أكثرية مواطني إقليم كردستان.