شهر القرآن (10) «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ»

د. عائض القرني

TT

هذا عقد بين المسلم وربه، وميثاق بين العبد ومولاه، أن يصرف العبد كل عبادته لله - عز وجل - ولا يشرك معه غيره، وألا يستعين إلا بربه جل في علاه، فمن العباد المسألة والطلب، ومن الله العون والتأييد، وهذه الآية كما قال الله - عز وجل - في الحديث القدسي: «هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل». وهي ملخص دعوة الأنبياء وموجز رسالة الرسل عليهم السلام.

ومعاني القرآن مجموعة في هذه الآية، فالله أوجب حقه على الخلق، وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأوجب على نفسه لهم حقا إذا فعلوا ذلك، وهو ألا يعذبهم.

والعبادة التي يريدها الله من الخلق هي: فعل كل ما أوجب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأفعال الظاهرة والخفية، واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، والاستعانة طلب العون من الله في كل أمر لا يستطيع فعله المخلوق ولا يقدر عليه إلا الخالق، ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله».

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» وثيقة مقدسة يعلنها المسلم في كل ركعة من صلاته فريضة كانت أو نافلة ليذكر نفسه دائما بهذا العهد العظيم، الذي من أجله خلق الإنسان، ومن أجله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، وقامت سوق الجنة وسوق النار، ومد الصراط، ونصب الميزان، وبعث الخلق من قبورهم، وحصل ما في صدورهم، وعرضت عليهم صحفهم، وأقيم عليهم شاهد من أنفسهم.

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» هي قضية الخلاف بين المسلمين والمشركين، وهي معاني لا إله إلا الله، ومن أجلها وقع القتال بين أولياء الله وأعدائه، وحصلت الحروب بين حزب الله، وحزب الشيطان، فما بعث الرسل - عليهم السلام - إلا من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له، وما سالت دماء الشهداء إلا ليوحد الله ويفرد بالعبادة ويختص بالتوجه دونما سواه، جل في علاه.

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» سعادة أبدية ونجاة سرمدية بها يتم الصلاح وينال الفلاح وتسهل الأمور وتدفع الشرور، ولا ينال رضا الله ورحمته وعفوه ومغفرته وعونه وهدايته وتسديده إلا بإياك نعبد وإياك نستعين. ولا تحصل النعم ولا تدفع النقم ولا يحصن من المتالف ويسلم من الصوارف ويحفظ من الكوارث والفتن والمحن إلا بإياك نعبد وإياك نستعين، وهي عاصمة لمن قام بحقوقها من الزلل والتخبط العقدي والهوج الفكري والضلال العلمي والسفه الأخلاقي والانحطاط السلوكي والشطط العلمي؛ لأن في «إياك نعبد وإياك نستعين» عناية ربانية، ورعاية إلهية، وولاية إيمانية، وبركة القرآن.