رمضان في أهوار العراق.. القهوة العربية وذكريات الماضي أبرز الحاضرين

أحد شيوخ العشائر لـ «الشرق الأوسط»: موائد الرحمن خير فرصة لحل نزاعاتنا

TT

يعتبر المضيف من الأماكن التي تحمل خصوصية لدى أبناء العشائر وخصوصا في شهر رمضان المبارك، فالمضيف في أهوار جنوب العراق (أهوار البصرة وميسان وذي قار) يعتبر من الأماكن المقدسة لدى أبناء تلك المنطقة، القهوة العربية وذكريات الآباء والأجداد وطقوس وعادات كثيرة تميز الشهر الفضيل، وتميز تلك المنطقة ذات العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية والدينية التي تختلف عن بقية مناطق العراق من شماله إلى جنوبه، باختلاف طقوس وعادات الآباء والأجداد عن ما يمارسه الأبناء هذه الأيام إلا أنهم حافظوا على إيقاع الحياة الهادئ وخصوصية شهر رمضان في منطقة ذات طبيعة تؤثر على من يسكنها، الطير والماء واليوم الرمضاني الذي يبدأ مع تسلل أول شعاع من الشمس بين (القصب والبردي) نباتات تلك المناطق حتى ساعات متأخرة من الليل الذي يفوح منه راحة القهوة العربية في مضيف الشيخ (زعيم القبيلة).

حيث يقول الشيخ حيدر الساري أحد سكان أهوار البصرة (550 كلم جنوب بغداد) إن رمضان شهر فضيل وبركاته تحل على كل شيء في الأهوار وخصوصا على الناس الطيبين الذين يسكنون تلك المناطق، ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك خلافات بين أبناء (الهور) الواحد أو المناطق البعيدة نتيجة خصومات عشائرية بسبب الحيوانات أو الزراعة وأحيانا تصل لدرجة القتل وأمور كثيرة لا تنتهي لمدة سنوات»، مشيرا إلى أن «تلك الخلافات تنتهي أحيانا، وذلك بمبادرة من شيخ العشيرة بجلسة على مائدة من موائد الرحمن وقت الفطور بعد أن خاطب المتخاصمين بجملة شهيرة (صلوا على الرحمن هذا رمضان واتركوا الشر)، فتنتهي الخصومة وتحل بالتراضي على تلك المائدة ، مائدة الرحمن.

والمضيف من الأماكن المقدسة لدى أبناء الأهوار يمتد تاريخه إلى الحضارة السومرية قبل خمسة آلاف سنة وحتى يومنا هذا وتحل فيه دائما النزاعات العشائرية، أما في شهر الرحمة فيتحول إلى جامع يتم فيه أداء الصلاة وخصوصا صلاة المغرب بحضور أغلب أفراد العشيرة، حيث يقول الشيخ شناوه الأسدي أحد سكان أهوار الجبايش في محافظة ذي قار (375 كلم جنوب بغداد) إن العادات والطقوس الرمضانية في الأهوار تختلف عن بقية مناطق العراق، فالمضيف يتحول إلى مصلى يجتمع فيه أبناء العشيرة ، وعن موائد الإفطار في مناطق الأهوار. يقول شناوه في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «مائدة الإفطار تجمع أبناء الأهوار يوميا عند المضيف الكبير العائد لأحد كبار العشيرة كما يتم هناك أداء الصلاة بعد أن يحضروا بزوارقهم الصغيرة إلى المضيف»، مبينا أن «جلسات السمر الرمضانية تستمر إلى ما بعد الإفطار وتتخللها بعض القصص والأحاديث والحزورات المستقاة من الفلكلور الشعبي في تلك المناطق»، مشيرا إلى أن «لعبة (المحيبس) اللعبة العراقية الأولى في شهر رمضان يمارسها أبناء الأهوار، بعدها يتم تناول القهوة العربية والحلويات التي تم إحضارها قبل يوم من المدينة».

وتعتبر أهوار جنوب العراق من أوسع مناطق الأهوار وأقدم مأوى طبيعي في العالم ولها دور بيئي كبير في إيواء الطيور المستوطنة والمهاجرة بأنواعها، ويعد الطير والسمك أهم الوجبات الرئيسية في مائدة شهر رمضان عند أبناء الأهوار، وذلك لأن الصيد مهنتهم الرئيسية.

وتقول أم حسين، وهي امرأة في العقد السادس من عمرها وتسكن هور الحويزة أكبر أهوار جنوب العراق مساحة، الذي يقع في محافظة ميسان (380 كلم جنوب شرقي بغداد)، إن الاعتماد على المنتوج اليومي أو الأكل الطازج هو ما اعتدناه طيلة فترة حياتنا هنا في الأهوار، وتضيف قائلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «السحور والفطور تختلف مواده، فالسحور يتكون من الحليب والقيمر والزبد الذي يكثر في الأهوار بسبب تربية الجاموس بكثرة في هذه المناطق»، وزادت «أما الإفطار فيتكون من الطيور أو السمك الذي يصطاده الرجال في رحلات عملهم اليومية»، وتابعت أن «هناك شيئا مميزا هنا في مائدة رمضان هو أن الخبز الموجود على مائدة الإفطار قد عمل بتنور (فرن) من الطين، لذا فيكون للخبز طعم آخر، لأن رائحة الهور تكون ممزوجة بمكوناته»، أما عن كيفية معرفة أوقات الإفطار والسحور والصلاة، فتقول أم حسين إن الفطنة هي دليلنا لتلك المواعيد «نعتمد على الشمس وشعاعها ولا نعرف شيئا اسمه إمساكية، فالعين هي الدليل لنا في معرفة مواقيت الإفطار والسحور».

وكان عدد سكان مناطق الأهوار 500 ألف نسمة، لكنها تقلصت إلى نحو عشر حجمها في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد أن جرى تحويل مجاري الأنهار عنها وأقيمت السدود لتقسيمها، مما تسبب في هجرة معظم سكانها وجفافها بشكل تام، أما بقية سكانها الذي لم يرحلوا فظلوا يصطادون السمك والطيور ويربون الجاموس ليكون خير زاد لهم في إفطارهم وسحورهم أيام شهر رمضان الكريم مع أحاديث السمر التي تزيد من جمال طبيعة الأهوار.