لا يتناولون الأسماك ويوقفون جلسات القضاء.. والمنسف أشهر طعامهم

عادات فريدة لبدو سيناء في رمضان

تقدر أعداد البدو في شمال سيناء بنحو 300 ألف نسمة بينهم ما لا يقل عن 80 ألفا من البدو الذين يتنقلون عادة بين الصيف والشتاء برفقة شيخ العشيرة
TT

رغم تغير الظروف والأحوال، لا يزال بدو سيناء يحتفظون بعادات وتقاليد رمضانية توارثوها عن أسلافهم وأجدادهم منذ مئات السنين. فما إن يهل الشهر الكريم حتى توقد المواقد وتفرش الموائد على طول الطرق الصحراوية التي تخترق سيناء لاستقبال الغرباء من المارين لتناول طعام الإفطار الذي تعده القبائل السيناوية يوميا للمارة طوال شهر رمضان المبارك.

وتكتظ مائدة رمضان البدوية باللحوم والأرز والخبز، وتخلو تماما من الأسماك، فيما استحدث تقديم أطباق الحلويات الشرقية من القطايف والكنافة وعصائر الفاكهة على المائدة البدوية.

يقول خليل جبر من قبيلة السواركة بسيناء إن العادات البدوية للاحتفال بشهر رمضان الكريم تختلف عن الاحتفالات في معظم المحافظات المصرية الأخرى، نظرا لأن النظام البدوي نظام قبلي عشائري. يتابع جبر: «قبل استطلاع هلال الشهر الكريم بيوم واحد، يقيم شيخ القبيلة مأدبة كبيرة يدعو لها كل رجال القبيلة ويطلق عليها الغدوة الكبيرة، لأنها تعد وجبة الغذاء الأخيرة قبل حلول الشهر، إذ يوجد تواصل اجتماعي وعائلي بين كل الأخوال من خلال هدايا رمزية يتبادلها الجميع قبل رمضان».

ويضيف جبر إن القبائل بوسط سيناء تقيم خيمة كبيرة داخل كل قرية ويتم تجهيز الخيمة بالمقاعد والوسائد ليتناول فيها الرجال الإفطار، فيما تجلس السيدات في خيامهن لتناول الإفطار وتبادل الأطعمة. ويضيف أن هذا التجمع يعتبر أشهر العادات البدوية لاستقبال الشهر الكريم.

ويقول جبر إن البدو لا يأكلون على موائد مرتفعة لاعتقادهم أنه لا يجب أن يكونوا أعلى من الطعام، وأن الأكل على موائد منخفضة «سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم». ولا يستخدمون الملاعق في تناول الطعام، يأكلون بأيديهم، ومعظم طعامهم من اللحم ولا يتناولون الأسماك نهائيا.

ويقول عايش عيد إن هناك بعض مظاهر الاحتفالات التي اكتسبوها من الثقافة المدنية وأهل الحضر مثل ضرورة اقتناء الأطفال لفوانيس رمضان وتعليق الزينات والأنوار على الخيام والعشش.

ويضيف إن مأكولات لم يعهدها المجتمع البدوي من قبل باتت موجودة على المائدة البدوية الرمضانية مثل الحلويات الشرقية وخاصة الكنافة والقطايف التي لم يكن أحد من البدو يعرفها من قبل وكانوا يعتمدون على تحلية الطعام بتناول الفواكه البدوية المزروعة في البيئة كالعنب والتين والبطيخ والخوخ.

وتقول الحاجة فاطمة - بدوية مسنة من قبيلة الترابين - إن البدو لا يتناولون الأسماك طوال شهر رمضان. ويعد المنسف من أشهر الأطعمة التي يتناولها البدو في رمضان. وهو عبارة عن فتة لحم ويكثر فيها الخبز ولا تضاف لها خميرة، أيضا المقلوبة والمدفونة والثريد وهي أطعمة تتكون من الدقيق واللحم. وتقول: «البدوية تستخدم السمن البلدي الحيواني والزبد في طهي الطعام لتوافره في المجتمع البدوي». تضيف فاطمة: «من العادات المتعارفة بين البدو في رمضان إقامة ليلة الجمعة من كل أسبوع طوال الشهر مأدبة كبيرة في فترة الإفطار يتم خلالها ذبح ذبيحة تسمي بـ(عشاء الأموات)، ‏وتذبحها أسرة أي متوفى مات خلال هذا العام ترحما على روحه، حيث يتم الدعاء للمتوفى وقراءة الفاتحة على روحه ومن ثم تناول الطعام».

أما سويلم عيد فيؤكد أن التكافل الاجتماعي من أهم ما يميز المجتمع القبلي حيث تتكفل كل قبيلة بسد احتياجات المحتاجين والفقراء من أهل القبيلة حفاظا على الشكل القبلي الذي ينبذ التسول.. ويضيف إن كل عشيرة تجمع الزكاة وتوزع على المحتاجين من أبناء القبيلة، ولو لم يجدوا محتاجا توزع على القبائل الأخرى.

يضيف سويلم: «في شهر رمضان تعطل جلسات القضاء العرفي لبعد الشهر لتوقع حدوث مشاحنات بين أي أطراف متنازعة وحرصا على نبذ أي مشاحنات تؤجل الجلسات. كما أن القضاة العرفيين يحاولون إنهاء أي خصومات قبل قدوم الشهر، حيث يتم إرسال بعض المقربين من طرفي النزاع لتقريب وجهة النظر لإنهاء الخلاف أو التعهد بعدم تعدي أي طرف على آخر خلال شهر رمضان حتى يتم عقد مجلس عرفي لإنهاء الخلاف ويطلق على ذلك اسم (عطوة). والمجالس العرفية تعقد بعد عيد الفطر بستة أيام».

ويلجأ البدو إلى المجالس العرفية لحل مشكلاتهم واسترداد حقوقهم دون اللجوء للمحاكم القضائية وتكون أحكام المجلس العرفي واجبة النفاذ.

ويقول الشيخ سلمان وهو شيخ بدوي بعد أن يتناول البدو الإفطار ويؤدوا صلاة العشاء يتجمع الكل في الديوانية الخاصة بهم، حيث يقومون كل ليلة بعقد حفلات للسمر يرددون فيها الأشعار والأغاني البدوية كما يقوم الرجال بالأداء الحركي المصاحب للغناء بما يطلق عليه الدحية والمربوعة والبدع والرزعة، وهي احتفالات مقتصرة على الرجال دون النساء.

أما النساء فإنهن يحرصن على زيارات بعضهن البعض وتقوم الأسر البدوية بتنظيم زيارات في شهر رمضان لبناتهن ممن تزوجن من خارج القبيلة ليشعر أصهارهم بمكانة الابنة وقدرها عند قبيلتها. ويمنع عقد الزيجات نهائيا في شهر رمضان في المجتمع البدوي ويتم تأجيل كل مظاهر الزواج والخطبة إلى العيد. وتتم عملية عقد القران مع الخطبة في آن واحد بالمجتمع البدوي.

يسكن البدو في خيام مصنوعة من شعر الأغنام تسمى بيوت الشعر، محكمة في تهويتها ومثبتة السطح وذلك في فصل الشتاء. أما في فصل الصيف والخريف فينتقل البدو إلى خيام أصغر حجما، مفتوحة من الجانبين وتصنع من الشعر أو الوبر. أما العرائش فتبنى بجوار بيوت الشعر عند الاستقرار من الشجر أو القش.

وتقدر أعداد البدو في شمال سيناء بنحو 300 ألف نسمة بينهم ما لا يقل عن 80 ألفا من البدو الذين يتنقلون عادة بين الصيف والشتاء برفقة شيخ العشيرة. ويمثل البدو نحو 60% من سكان سيناء وتعيش فيها قبائل العبابدة والمساعيد والعقايلة والسعديين والعلوية والسماعنة والقطاوية والحويطات والاحيوات والترابين وقبائل العليقات والصوالحة والقرارشة وأولاد سعيد والبدارة والحيالية وتعيش في القطاع الجنوبي لسيناء.