تونس: مخارق وزلابية باجة.. طبق رمضاني على الموائد التونسية

يقبل الصائمون على الحلويات بعد الإفطار لقدرتها على تنشيط الجسد ومده باحتياجاته من السكريات

العائلة التونسية تقبل بعد الإفطار على الحلويات باعتبارها قادرة على تنشيط الجسد ومده باحتياجاته من السكريات التي تحرك الدماء وتنشط الأجساد («الشرق الأوسط»)
TT

لا تكاد تخلو مائدة من الموائد الرمضانية التونسية من المخارق والزلابية حتى أصبحت هذه الحلويات التي تعد مدينة باجة، الواقعة على بعد 100 كلم شمال العاصمة التونسية، موطنا أصليا لها، فهي بمثابة العلامة المميزة التي قد لا تجدها بنفس المواصفات في الصنع في غيرها من المدن. وتصنع الزلابية والمخارق من مادة السميد ثم توضع في الزيت الساخن ويضاف إليها السمن البلدي وتخلط بزيت الزيتون ويكون مذاقها كثير الحلاوة بما يكفي ليسيل لعاب الصائمين.

وتقبل العائلة التونسية بعد الإفطار على الحلويات باعتبارها قادرة على تنشيط الجسد ومده باحتياجاته من السكريات التي تحرك الدماء وتنشط الأجساد، ووراء المخارق والزلابية حكاية تقرب من الأسطورة، يتناقلها صناعها في مدينة باجة، وهي تؤكد على أن هذه الحلويات وعلى الرغم من إتقانها ليست حلويات محلية، بل إن جنديا تركيا عاش في مدينة باجة متخفيا عن أعين الأتراك هربا من الجندية التي سئمها، وخلال إقامته التقى إحدى العائلات الباجية وأعد المخارق والزلابية فاستحسنها أفراد العائلة وطلبوا منه أن يعلمهم تلك الصناعة، وتمكنوا من إتقانها وتوارثوها لقرون من الزمن أبا عن جد. والآن وبمجرد أن تدخل منطقة باب الزنايز بمدينة باجة تكتشف أن هذه الحلويات لها مكانتها هناك وأنها صناعة متكاملة برعت فيها بعض العائلات وصعب على الآخرين مجاراتهم في ذلك.

وإذا سألت عن المحلات التي تتقن الصناعة وتقدم أجود أنواع المخارق والزلابية المغمسة في السمن البلدي والعسل والزبدة، سيأتيك الجواب في معظم الحالات متضمنا أسماء مثل «بوتفاحة الأحرش» و«خالد الحداد» و«البشير المرساوي» و«عز الدين خلفة»، وهؤلاء وغيرهم أصبحت تلك الحلويات بمثابة العلامة المميزة التي تميز المدينة وتميزهم.

عن هذه الصناعة التي تكاد تكون رمضانية، قال بوتفاحة الأحرش، أحد أقدم صناع الحلويات في المدينة، إن مهنة صناعة وبيع المخارق والزلابية تعتبر بمثابة الميراث العائلي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط فيه، فقد فتح عينيه داخل محل والده وتمكن من المحافظة على هذه الصناعة وشارك في الكثير من المعارض الدولية على غرار المعرض الدولي بالدار البيضاء سنة 2003، إلى جانب كثير من المعارض المحلية. وحصل بوتفاحة على الرقم القياسي في تصنيع أكبر قطعة مخارق بلغ وزنها 21 كلغ. وقال بوتفاحة إن السر الذي يقف وراء تميز حلويات مدينة باجة عن غيرها من المدن يكمن في طريقة إعداد المادة الأولية التي تختلف في الشتاء عن فصل الصيف، وفي الاعتماد على السمن البلدي بدل المواد الدهنية المصنعة.

وقال عبد الرزاق المرساوي من ناحيته إن عائلته بدأت ممارسة مهنة صناعة المخارق والزلابية منذ سنة 1910 في نفس المحل الذي يشتغل به الآن والموجود بالمدينة العتيقة بمدينة باجة. وأكد أن ممارسة المهنة يتطلب الكثير من الصبر والجلد، خصوصا في فصل الصيف الشديد الحرارة بطبعه، تضاف إلى حرارته تلك حرارة مجموعة من الأفران التي تعمل في نفس الوقت وطوال الوقت. ويستدرك المرساوي ليشير إلى أن إرضاء الزبون ورسم ابتسامة الرضا على محياه هي التي تخفف على العاملين في المحل الكثير من العناء.

وأكد عز الدين خلفة أن عائلة دار بالشريفة حطت الرحال في باجة منذ دخول العثمانيين إلى تونس، وهي شهيرة بصناعة المخارق، وحافظت على هذه الميزة إلى حدود سنة 1984 من القرن الماضي، وأضافت إليها صناعة الزلابية منذ ذلك التاريخ. وتتميز حلويات باجة، حسب رأيه، بالاحترام الشديد للمقادير والمكونات، وهو يخلط بين القمح الصلب والقمح اللين، وذلك بحساب الثلثين للفارينة (قمح لين) والثلث للسميد (قمح صلب).

وقال خلفة إنه يعتمد على السمن المعتق في صناعة الحلويات، ويجب أن لا يقل عمر السمن عن السنة على الأقل حتى يعطي نكهة مختلفة للمخارق والزلابية، ودليله في ذلك تغير لون السمن من اللون الأصفر إلى اللون الأبيض.