رمضان ينعش أسواق المأكولات والأشغال اليدوية في مصر

مهن تلقى رواجا وأخرى تركن إلى الظل

الكنافة تسجل حضورا شبه دائم على مائدة الإفطار خلال شهر رمضان المبارك («الشرق الأوسط»)
TT

تلعب المناسبات دورا مهما في تنشيط الحركة داخل أسواق بعينها، وبالتالي ازدهار لبعض المهن، فمع أول أيام شهر رمضان تكتب لبعض المهن في مصر شهادة ميلاد يعلو بها نجمها وتستمر كذلك حتى غروب شمس آخر يوم من الشهر الفضيل، ويكون لسان حال أصحابها «رمضان شهر الكرم»، وفي المقابل تخبو مهن أخرى يخلد أصحابها في راحة سلبية خلال أيام وليالي الشهر الكريم.

ففي شهر رمضان تشهد أسواق المأكولات رواجا منقطع النظير، حيث يزداد الإقبال على شراء «الحلويات» مثل الكنافة والقطايف والياميش والبقلاوة والمهلبية والبسبوسة وأم علي وغيرها.. سواء من المحلات المتخصصة في بيعها ذات الأسماء الشهيرة، أو من خلال المنافذ الشعبية والأفران البسيطة التي تعد خصيصا من قبل بعض الأفراد في الشوارع، خاصة المناطق الشعبية والريفية، كمهنة موسمية تنتهي بانتهاء شهر رمضان.

وعلى الجانب الآخر من الحلويات تنتعش أسواق بيع المخللات (الطرشي) التي تبدأ في تجهيز بضاعتها قبل أسابيع عدة من حلول شهر الصيام لما تجده المخللات من رواج شديد في شهر رمضان، باعتبارها «فاتحا للشهية»، وتبتكر أسواق المخللات كل عام أنواعا جديدة إلى جانب الأنواع التقليدية منها مثل الليمون والزيتون والبصل والجزر واللفت.

أما أسواق بيع التمور فتلقى رواجا كبيرا خلال شهر رمضان وقبل انطلاقه، حيث يقبل الكثير من المصريين على التمر لما يتمتع به من قيمة غذائية، وفي تقليد سنوي يطلق تجار التمر أسماء نجوم ومشاهير الفن والسياسة والرياضة على الأنواع المختلفة من أصناف التمر بهدف إنعاش حركة البيع، وهو ما يكون عاملا على انتعاش حركة البيع والشراء داخل هذه الأسواق.

بخلاف المأكولات تشهد حركة بيع وشراء «الفوانيس» رواجا مشهودا على اعتبار أن الفانوس هو أحد المظاهر الرمضانية الأصيلة في مصر، حيث يكون مكسب التجار في هذا الشهر هو حصيلة جهد عام كامل، وتعلن ورش تصنيع الفوانيس في منطقة تحت الربع في القاهرة حالة الاستعداد القصوى قبل بدء رمضان بشهور قليلة يتسابق خلالها الحرفيون والفنانون مع الزمن لتصنيع كميات كبيرة من الفوانيس المزينة بالنقوش والزخارف التي يتم رسمها على زجاج الفانوس الملون الذي لا يرى النور إلا في شهر رمضان.

ومن أكثر المهن التي تحظى بانتعاش ملحوظ منذ أول ليلة من ليالي شهر رمضان صناعة «السبح»، حيث تزدهر أسواق السبح في الحسين وخان الخليلي والأزهر، ويقبل السياح الذين يأتون من مختلف الدول العربية وبعض الجنسيات الأخرى على شراء السبح بمختلف أنواعها مثل سبح الكهرمان والفيروز والمرجان واليسر، كذلك تنتشر في شهر رمضان عشرات الحوانيت المتخصصة في بيع الصناعات التقليدية والأشغال اليدوية، التي تتراوح ما بين المشغولات اليدوية والتابلوهات والتحف والأرابيسك وأوراق البردي والأحجار الكريمة والمشغولات النحاسية والفضية وتشكيلات الزجاج.

وما زلنا في منطقة الحسين التي تشهد سوقا أخرى تتخصص في بيع المصاحف مختلفة الأحجام والكتب الدينية وأشرطة الكاسيت والأسطوانات (السيديهات) المسجل عليها الخطب الدينية والقرآن الكريم بصوت مشاهير القراء والأناشيد الدينية والمدائح النبوية، حيث تلقى هذه المنتجات التي غالبا ما تفترش الأرض والأرصفة رواجا كبيرا من جانب الصائمين نظرا للجو الروحاني الذي يتميز به شهر رمضان الكريم الذي يبعث في المسلمين روح التدين، ويدفع بهم إلى زيادة مساحة القراءة والعبادة.

أمام أحد باعة الأسطوانات في حي الأزهر يقف الشاب سمير السيد، الذي يقلب في المعروضات للبحث عن غرضه، يقول: «اعتدت منذ سنوات على الحضور إلى الأزهر خلال شهر رمضان لشراء مجموعة من الأسطوانات التي تحوي خطبا دينية وأدعية، والتي أقوم بالاستماع لها والتعلم منها طوال شهور السنة حتى رمضان الذي يليه، وهذا العام أحاول البحث عن خطب دينية للشيخ عمر عبد الكافي ودعاء ختم القرآن في صلاة القيام في رمضان الماضي بصوت القارئ محمد جبريل والدكتور صلاح الجمل».

كما يشهد حي الحسين انتعاشة تجارية غير عادية في رمضان، خاصة في المقاهي والمطاعم التي تقدم وجبات الإفطار والسحور، بما يجعل من شهر رمضان موسما للكسب لهذه الأماكن حيث تستقبل زوارها سواء من المصريين من مختلف الطبقات الاجتماعية أو السياح العرب والأجانب.

من أكثر الأسواق ازدهارا في شهر رمضان أسواق العطارة التي تشهد إقبالا منقطع النظير، خاصة من جانب ربات البيوت، سواء لشراء التوابل لاستعمالها في إعداد أشهى المأكولات الرمضانية لما تضفيه هذه التوابل من مذاق ورائحة جميلة على مائدة الإفطار خلال شهر رمضان، أو المشروبات الطبيعية مثل التمر الهندي والكركديه والعرقسوس والخروب والعناب، كذلك يقبل الكثير على شراء البخور بأنواعه المختلفة كونه يلائم روحانية الشهر الكريم.

وليس ببعيد عن أسواق العطارة فهناك أسواق العطور التي تنتعش أيضا في رمضان، خاصة المسك والعنبر، والتي يتم تركيبها للزبائن حسب الطلب حيث تلقى إقبالا خاصة من جانب الرجال للتعطر بها في أوقات الصلاة خاصة صلاة التراويح، وتعد مناطق الموسكي والحسين وشارع الأزهر منذ القدم الأشهر في صناعة العطور الشرقية المركبة أو التي تحمل أسماء ماركات عالمية.

في شهر رمضان أيضا تلمع أسواق من نوع آخر تتمثل بضاعتها في الأنشطة الثقافية والدينية والفنية، حيث يتم تنظيم الكثير من الفعاليات الدينية التي تشهدها ساحة الإمام الحسين في رمضان تتمثل في خيمة «ملتقى الفكر الإسلامي» التي تنظمها وزارة الأوقاف المصرية، بالتعاون مع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهي عبارة عن لقاء يومي مفتوح بين الجمهور وبعض الشخصيات السياسية والفكرية والدينية، كما تقدم وزارة الثقافة المصرية الكثير من العروض الفنية، خاصة التي تقدمها فرق الإنشاد الديني والفرق الصوفية، إلى جانب الأمسيات واللقاءات والندوات الثقافية في المراكز الثقافية مثل بيت الهراوي وبيت السحيمي وقصر الأمير طاز وقبة الغوري ومحكى القلعة.

وعلى النقيض من كل ما سبق تختفي وتقل الحركة في أسواق أخرى في شهر رمضان، بسبب عدم إقبال المواطنين عليها فتغلق أبوابها، منها أسواق السمك، ومحلات الكشري، وقاعات الأفراح، ودور العرض السينمائي والمسارح التي تكاد تغلق أبوابها خلال أيام وليالي شهر رمضان.