الداعية الإسلامية آمنة نصير لـ «الشرق الأوسط»: رمضان صومعة للعبادة وليس مناسبة للأكل والشرب فقط

انتقدت انصراف النساء عن العبادة لانشغالهن بالمطبخ

د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والداعية الإسلامية المعروفة، أن شهر رمضان يعد مدرسة تعلم دروس التربية وتقوية العزيمة والإرادة في الإنسان، كما أنه مناسبة عظيمة للعبادة والطاعة.

وانتقدت الدكتورة آمنة انصراف كثير من النساء عن العبادة في نهار رمضان، وقالت إن انشغالهن بالمطبخ يتنافى مع آداب الصيام. ووصفت فتاوى الفضائيات بأنها مصائب وكوارث تصيب المجتمع الإسلامي وتثير البلبلة والفوضى في أوساطه.

وطالبت الدكتورة آمنة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بتأسيس مجمع فقهي علمي يشمل كل علوم العصر والتخصصات من قبل أساتذة في شتى المجالات، لتلقي الفتاوى والإجابة عنها، ثم إذاعتها عبر الفضائيات، أو بأي وسيلة، بدلا من تلك الفوضى. كما تطرقت إلى جوانب من العادات والتقاليد التي كانت تسود شهر رمضان في الماضي ومقارنتها بما نحن عليه اليوم..

* ماذا عن ذكرياتك خلال مرحلة الطفولة في شهر رمضان؟

- مرحلة الطفولة قضيتها بقريتي (موشا) في صعيد مصر، في عائلة نصير الضخمة. وكان والدي، رحمه الله، كبير أعيان عائلة نصير، وكان من كبار الأغنياء، أو ما يطلق عليه الآن رجل أعمال، فكان يقيم مائدة الرحمن طوال الشهر الكريم في مكان كبير يجمع أهل القبيلة، اسمه «الدوار». وفي هذا الدوار تقام سهرة ممتدة إلى وقت السحور، تجمع رجال الفكر والثقافة والسياسة والعلم والدين في محافظة أسيوط. كنت أسمعهم وأنا طفلة صغيرة وهم يتبادلون الأحاديث في السياسة والشؤون العامة، وهم على مائدة السحور، وكنت أجد الناس يستقبلون شهر رمضان بحفاوة بالغة، وأتذكر ذات مرة وأنا صغيرة أني رأيت عمالا ينظفون دوار والدي استعدادا لاستقبال شهر رمضان، فسألتهم لماذا يفعلون هذا؟ قالوا لي نفعل هذا لأن رمضان «جاي» (مقبل)، فوقفت ساعات طويلة على باب الدوار كي أرى رمضان، لأنني تخيلت أنه شيخ كبير له لحية بيضاء، عندما شاهدت الاهتمام بتنظيف الدوار وحسن الاستعداد، فجاء والدي ووجدني أقف على الباب حتى آذان المغرب؛ فسألني، وكانت معي أختي، فقلت له لكي أرى عمي رمضان، فضحك وقال لي رمضان شهر كريم يحبه كل المسلمين. وقد حرص والدي على تربيتنا تربية دينية، وكان يدربنا على الصيام منذ فترة مبكرة، وكان يجعلنا نصوم عددا من الساعات، ولا نكمل اليوم، حتى أخذنا بالتدرج إلى أن نكمله، وكان من يكمل يومه من الأطفال يحصل على جائزة، والحمد لله حرصت على الصيام وأنا في سن مبكرة جدا، وهذا علمني الصبر واستفدت من الصبر نعما كثيرة في حياتي العملية، فكنت أول فتاة تعلمت في قريتي، وكان هذا حدثا عظيما تطلب الجهاد الطويل والمرير حتى أستطيع أن أدخل في سلك التعليم الذي كان يعز على الفتاة في قرية صعيدية من قرى أسيوط، ومن عائلة لها عادات وتقاليد صعبة.

* كيف ترين الفرق بين رمضان زمان ورمضان الآن؟

- رمضان زمان كان له مذاق خاص، لا يوجد الآن بسبب تغير الثقافة والمفاهيم من جيل إلى جيل، فالكثير من القيم الجميلة تلاشت واندثرت من حياتنا، ولكن الاختلاف بين رمضان هذه الأيام ورمضان زمان فقط في أن الناس لم يعودوا كسابق عهدهم؛ حيث الحب والود والألفة أنقى وأصفى، ناهيك عن أن الأسر كانت تجتمع كل يوم في أحد منازل الأقرباء، وكنا نتبادل الزيارات والعزومات. أما اليوم فأصبح السهر مرتبطا بمشاهدة المسلسلات والأفلام والانشغال بإعداد الموائد الرمضانية التي تذخر بأطايب الطعام والشراب، وكأن شهر رمضان مناسبة للأكل والشرب فقط، بينما الفلسفة الحقيقية للصيام تهدف، فيما تهدف، إلى تربية وجدان المسلم وتقوية إرادته وتعويده على حرمان النفس وضبطها ومنعها مما لا فائدة منه، وإكراهها على ما هو أجدى وأنفع.

* ماذا تقولين للنساء اللاتي يشغلن أنفسهن بإعداد أطايب الطعام وقضاء أكبر وقت في المطبخ في نهار رمضان؟

- طبعا هذه سلوكيات خاطئة تذهب بروحانية الصيام ولا تجعل للعبادة أي طعم، بل إن اقتراف هذه السلوكيات الخاطئة في اليوم الرمضاني دون شك يطفئ روحانية وخصوصية هذا الشهر الفضيل في أنفسهن، ويمر شهر رمضان وكأنه شهر عادي، بل تزيد النفقات والتكاليف التي ترهق الأسرة، نظرا لزيادة الإنفاق، وهذا نوع من الإسراف الذي نهت عنه شريعة الإسلام، التي أمرت بالتوسط والاعتدال.

* انتشار القنوات الفضائية، خاصة الدينية، أصبح ظاهرة، كيف ترين الدور الذي تقوم به هذه القنوات في خدمة الدعوة الإسلامية؟

- للأسف الشديد فإن معظم هذه القنوات لم نحسن استغلالها في خدمة الإسلام، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى قنوات فضائية تحسن عرض الإسلام وترد على الافتراءات التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية ضد الإسلام وحضارته، وللأسف، بدلا من أن توظف هذه القنوات طاقاتها لخدمة الإسلام، نجد أنها تأتي بأمور تعمل على تغييب العقل.

* ما رأيك في الفتاوى التي تذاع عبر هذه الفضائيات؟

- أنا ضد هذه الفتاوى لأن هذه الفتاوى، فضلا عن كونها تصدر من أناس غير متخصصين في الفتوى، فهي لا تراعي أمورا كثيرة يجب أن يجلس فيها المستفتى والمفتى وجها لوجه. أيضا كثير من الناس الذين يسمعون هذه الفتاوى ويكون لديهم مشكلات مشابهة، مع وجود بعض الاختلافات، فهم يأخذون هذه الفتاوى ويطبقونها على حالهم، وهذا لا يجوز، فهذه الفتاوى تُحدِث كثيرا من البلبلة، ولقد طالبت كثيرا بتأسيس مجمع فقهي علمي يشمل كل علوم العصر والتخصصات، من قبل أساتذة لهم باع طويل في هذا المجال، ثم تذاع على الفضائيات أو بأي وسيلة، بدلا من تلك الفوضى. وعلينا أيضا أن نستعين بما قدمه أسلافنا من العلماء ونناقش في ضوء منهجنا ما استجد من قضايا في عصرنا، وبهذا نستطيع أن نعيد للفتوى احترامها، ومصداقيتها، ونعيد للإفتاء مكانته.

* نشرت وسائل الإعلام أنك تقدمت أخيرا للحصول على عضوية مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، ماذا تم في هذا الطلب؟

- لم يحدث أن تقدمت بأي طلب إلى مجمع البحوث الإسلامية، وبالعكس أرى أن مجمع البحوث الإسلامية هو الذي يسعى إليّ ليضمني إليه، لأنني لم أفكر أن أسعى إليه، وقد علمت منذ سنوات أن إحدى الزميلات، وهي أستاذة للفقه في جامعة الأزهر قد تقدمت بطلب للحصول على عضوية مجمع، فاتصلت بها، وقلت لها من خلال اتصال تليفوني ما كان ينبغي لكي أن تفعلي هذا، لأنك أستاذة، ولك قدرة على البحث العلمي، ولك مؤلفات تفوق بكثير مؤهلات بعض الأعضاء الحاليين، خاصة الذين لم يحصلوا على درجات علمية، حيث كان مجمع البحوث الإسلامية في السابق له شروط شديدة تتناسب مع طبيعة ومكانة العضو الذي يشغله، من هذه الشروط أن العضو لا بد أن يعد رسالة علمية توازي درجة الدكتوراه في وقتنا الحالي، ويتقدم للامتحان بها، وإذا نجح يتم منحه العضوية، وكان الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، قد حصل على عضوية مجمع البحوث عن هذه الطريقة، أما الآن فهذه الشروط غير موجودة وغير متوافرة في كثير من الأعضاء، وبالتالي لم ولن أسعى إلى هذا الطريق.