رمضان في اليونان.. موائد جماعية والصلاة على الرصيف في بلد من دون مساجد

في السنوات الأخيرة.. تم السماح للمسلمين بالصعود إلى جبل بيندلي لرؤية هلال الشهر الفضيل

جانب من المدعوين في حفل الإفطار الجماعي بالعاصمة اليونانية أثينا («الشرق الأوسط»)
TT

المهاجر المسلم الذي يعيش في اليونان، خاصة العاصمة أثينا، يعلم جيدا أن الاحتفال بشهر رمضان في اليونان يختلف عن سائر الدول الأخرى وخصوصا الأوروبية، حيث تفتقر اليونان، وخاصة العاصمة أثينا إلى مساجد رسمية، ولذا كل شيء يدور في سرية أو في قلق وخفية وعدم إزعاج سكان المناطق التي توجد فيها الزوايا والمصليات، التي هي أقرب إلى الجراجات أو أماكن تحت الأرض غير آهلة لإقامة مشاعر الدين.

ولكن الحق يقال، ففي الفترة الأخيرة بات الأمر أفضل بعض الشيء عنه قبل 10 سنوات مثلا، حيث يجد المسلمون المقيمون في اليونان خلال السنوات الأخيرة متنفسا في إقامة شعائر واحتفالات الشهر الكريم على مرأى ومسمع من المسؤولين اليونانيين دون مضايقات من الشرطة، ولكن لا يستطيع المؤذن مثلا الجهر بالصوت، أو يقوم الخطيب بتعلية صوته ويسمعه المارة.

كما ينبغي على المصلين دخول المصلى بهدوء، والتفريق بسرعة فور الخروج منه، وعدم عمل تجمعات أمام المصلى حتى لا يزعج السكان، الذين سيستغيثون بالشرطة على الفور، ولكن لم لا؟ وهم شعب مسيحي لا يعرف شيئا عن الإسلام سوى ما يُسمع من وسائل الإعلام، أو ما عانى منه أيام الاحتلال التركي لليونان.

وأخيرا أقامت رابطة المسلمين في اليونان مأدبة إفطار في أحد أرقي فنادق أثينا، شارك فيها عدد كبير من كبار الشخصيات اليونانية ووزراء وأعضاء برلمان، كما شارك فيها عدد من السفراء العرب والمسلمين والأجانب، بجانب ممثلين عن الكنيسة اليونانية.

وجاء الإفطار الجماعي، على مأدبة رابطة المسلمين في اليونان، فرصة لزيادة التعارف والتقارب بين أبناء الجالية المسلمة والأجانب المدعوين، وأيضا للتعرف على عادات وتقاليد المسلمين. كما ألقيت قبل الإفطار كلمات لكل من نعيم الغندور رئيس الرابطة ومندوب رئيس أساقفة اليونان وعضو البرلمان اليوناني الذي شارك في «أسطول الحرية»، الذي حاول كسر الحصار على غزة قبل نحو شهرين، ولكن آلات الحرب الإسرائيلية حالت دون ذلك، وقتلت عددا من النشطاء الأتراك.

على صعيد آخر، يحاول المهاجرون المسلمون الذين ينتمون إلى أصول عربية ويعيشون في هذا البلد، بقدر ما لديهم من إمكانيات إحياء هذا الشهر الفضيل، سواء في التجمع حول موائد إفطار جماعية، أو إقامة صلاة التراويح، أو الإعداد للقاءات رمضانية خيرة.

ويختلف شهر رمضان في السنوات الأخيرة في اليونان عن قبله من الأعوام، فيتم السماح حاليا لرابطة المسلمين في اليونان الصعود إلى جبل بيندلي، والتمكن من دخول مركز الأرصاد هناك لرؤية هلال رمضان، وذلك خلافا لما كان معتادا قبل ذلك، وهو اتباع دار الإفتاء في شمال البلاد التابعة لدار الإفتاء في تركيا، أو اتباع ما يتم الإعلان عنه من دور الإفتاء في الدول العربية والإسلامية، وهو ما كان يتسبب في اختلافات وانشقاقات.

من جهة أخرى تتزاحم المحال التجارية التي تبيع مستلزمات رمضان في وسط العاصمة أثينا، من قبل الأسر المسلمة، وأيضا من قبل القائمين على الإعداد لموائد الإفطار التي عادة ما تكون في الزوايا والمصليات المتناثرة في أحياء العاصمة اليونانية أثينا.

أما على الصعيد الأسري، فقد اعتادت الأسر العربية المسلمة المقيمة في أثينا، الإفطار الجماعي مع أسر أخرى صديقة، بحيث يجلس الكبار والصغار معا على مائدة واحدة، في حين يتمتع الأطفال بروحانية الشهر الكريم عندما يلتقون أطفالا مثلهم على مائدة الإفطار.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» ذكر نعيم الغندور رئيس رابطة المسلمين في اليونان، أن الرابطة تقدمت بطلب إلى السفارة المصرية في أثينا بإحضار أحد الدعاة من الأزهر لإلقاء محاضرات دينية خلال هذا الشهر في أماكن التجمعات الإسلامية، خاصة في المركز اليوناني العربي للحضارة والثقافة الذي يسع لأكبر عدد ممكن من المصلين. وأضاف الغندور أنه على الرغم من حرية المسلمين في إقامة المصليات، فإن الأمل ما زال يساورهم في أن يصلوا يوما في مسجد جامع معترف به رسميا من قبل الحكومة، الأمر الذي تفقده العاصمة اليونانية أثينا لأسباب كثيرة، إلا أن السلطات أعلنت منذ فترة عن إقامة أول مسجد إسلامي في منطقة أليونا وسط أثينا، إلا أنه لم ير النور حتى الآن.

وسرد الغندور لـ«الشرق الأوسط» ما تعرض له في الأيام الأولى من شهر رمضان، عندما ذهب للصلاة مع أحد ضيوفه إلى مرأب تحت الأرض (مصلى) في منطقة بيريوس غرب أثينا، حيث لا يوجد متنفس للمصلين، وكانت هناك أعداد كبيرة من المصلين أثناء صلاة العشاء، فلم يجد طريقة سوى الاتصال بالشرطة اليونانية للسماح لهم بإقامة الصلاة على الرصيف في الشارع، وقد لبت الشرطة الأمر، وقامت بحراستهم حتى الانتهاء من الصلاة.

من جهته، قال اللواء يوأنيس راخوفيتساس، نائب رئيس شرطة اليونان لـ«الشرق الأوسط» خلال مأدبة الإفطار: «نحن نريد أن تكون الديانات شيئا يجمعنا ولا يفرقنا، حضرنا هنا لمشاركة أصدقائنا المسلمين احتفالاتهم. نحن ننتظر التعاون من العالم الإسلامي ومن الإخوة المهاجرين المسلمين هنا. وننتهز مثل هذه الفرصة لنتقارب ونحاول حل مشكلات وعقبات الجالية المسلمة المقيمة هنا في اليونان». أما الشيخ محمد عبد السلام الأسيوطي، مبعوث الأزهر في شهر رمضان إلى اليونان، أثنى خلال تصريحه لـ«الشرق الأوسط» على إقامة مأدبة الإفطار المشار إليها، التي جمعت المسيحيين والمسلمين، وأشاد بالعمل على الترابط والتقارب بين الديانات، وأن كل الشعوب إخوة، بغض النظر عن العرق والدين.