ارتفاع أسعار السكر ولحم الدجاج تسبب في تقليص أنواع المأكولات والحلويات على موائد رمضان

السوريون في شهر رمضان: ارتفاع درجات الحرارة يجعلهم يعتمدون بشكل واسع على المكيفات وشراب العرقسوس

بائعو عرقسوس بلباسهم التقليدي وادواتهم المعروفة في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

يستقبل السوريون رمضان هذا العام مع الأحداث التي تشهدها البلاد منذ مارس (آذار) الماضي، ومع موجة حر شديدة، حيث تصل درجات الحرارة إلى ما فوق الأربعين درجة، وهذا ما جعل الكثير من السوريين يعتمدون على المكيفات التي لم يعد يخلو منزل منها، بعد أن كان الاعتماد عليها حتى قبل خمس سنوات سابقة قليلا بسبب الطقس اللطيف نسبيا حتى في أشهر الصيف الحارة، مثل يوليو وأغسطس (آب) الذي يأتي فيه الشهر الفضيل. كما يستقبل السوريون الشهر الفضيل مع موجة غلاء لأسعار بعض المواد الاستهلاكية الضرورية لموائد رمضان، ومنها بشكل خاص السكّر الذي ارتفع سعره بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر الكيلوغرام منه في أسواق دمشق لنحو 75 ليرة سورية (دولار ونصف دولار أميركي) في حين لم يصل في الشهور الماضية لأكثر من خمسين ليرة, وكذلك الحال بالنسبة للفروج، الذي شهد في الأيام الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق في سعره، حيث وصل سعر الكيلوغرام منه لنحو 175 ليرة سورية، ثلاثة دولارات ونصف الدولار، بينما لم يرتفع سعره قبل ذلك عن المائة ليرة السورية في أحسن حالاته, ويؤكد الكثير من أصحاب الدخل المحدود من موظفين وعاملين (هناك نحو 5 ملايين عامل في سوريا في القطاعين العام والخاص) ومنهم عمار مارديني، الموظف في شركة بناء وتعمير، الذي التقيناه في إحدى أسواق دمشق، والذي أكد أن «ارتفاع سعر هاتين المادتين الغذائيتين بشكل خاص سيؤثر على تنوع مائدة رمضان للعام الحالي، حيث سنضطر للتقليل من شراء الحلويات أو تحضيرها في المنزل، وهي كما تعلم من مفردات مائدة رمضان الأساسية بعد وجبة الإفطار والسحور، كذلك سنضطر للتقليل من استخدام اللحم الأبيض، وخاصة الدجاج، ولكن (يبتسم عمار) المشكلة في البديل، فنحن منذ سنوات قللنا كثيرا من تناول لحم الأغنام البلدية العواس التي ارتفعت أسعارها بشكل يفوق مقدرة الموظف المالية واستبدلنا بها لحم الدجاج، ولكن الآن النوعان مرتفعا السعر؛ فماذا نفعل (يضحك عمار معلقا) يبدو أننا سنصبح نباتيين فقط. وهذا أفضل للصحة الجسدية كما يقول المختصون والأطباء»، ويعلّق زميل له كان معه في السوق عرفنا على نفسه (باسم صالحاني) قائلا: «يمكن أن نستغني عن السكر والحلويات وأن نكون نباتيين، ولكن كيف سيؤكل مثلا الرز والفريكة والبرغل من دون لحم أبيض أو أحمر»؟!، وحتى إذا استغنينا عن الفروج فإن أولادنا لا يمكنهم الاستغناء عنه فهم تعودوا أن يتناولوا الوجبات السريعة منه، وخاصة الشاورما التي باتت وجبة شبه يومية للشباب والمراهقين وقد ارتفعت أسعارها بشكل واضح زاد على الثلث تقريبا بسبب ارتفاع سعر الفروج».

ومن المعروف عن السوريين حبّهم وولعهم بتحضير المأكولات المتميزة في شهر رمضان المبارك، حيث يتفنون في تحضير ألذها لموائد الإفطار والسحور، كما يتفنون في تحضير الحلويات التي تقدم بعد الوجبتين، ويتداولون مثلا شعبيا في هذا المجال يقول: (في المعدة خلوة لا تملأها إلا الحلوى)، وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن السوريين ينفقون نحو ستة مليارات ليرة سوريا سنويا على شراء وتناول الحلويات، في حين تشير إحصائيات رسمية عن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا ونشرت في شهر فبراير (شباط) الماضي إلى أن السوريين ينفقون 8 مليارات ليرة سورية على اللحوم الحمراء والبيضاء, وكعادتها كل عام قررت الحكومة السورية تخفيض ساعات الدوام الرسمي في شهر رمضان ساعة ونصف الساعة في كل المؤسسات الحكومية، بحيث يصبح الدوام من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثالثة ظهرا، في حين أن الدوام في الأيام العادية، هو بين الثامنة صباحا والرابعة والنصف عصرا.

كذلك يستقبل السوريون والدمشقيون بشكل خاص شهر رمضان مع انتشار كبير لبسطات الباعة التي تكتظ بها أرصفة الأسواق والشوارع الرئيسية بدمشق، كالصالحية والحمرا والحميدية وغيرها بشكل لم يكن مألوفا من قبل، وبهذه الكثافة، حيث كانت تقتصر على شارع الثورة فقط وتعرض هذه البسطات، التي يقدر بعض المتابعين عددها بنحو 2000 بسطة في دمشق، كل ما يحتاجه المتسوق من ألبسة ومواد استهلاكية وغذائية وبأسعار أقل مما كانت تباع به في المحلات التي تعاني من موجة كساد، مما جعل أصحابها يعلنون عن تنزيلات صيفية مبكرة، والبعض منهم وضع بعضا من بضاعة محله على بسطة أمامه يديرها أحد عماله ويبيع ما هو كاسد لديه بسعر رخيص نسبيا حتى يتمكن من الاستفادة من حركة رأس المال.كما يلاحظ، وفي الأيام الأخيرة التي سبقت بداية الشهر الفضيل ركز بعض باعة البسطات على بيع المنتجات الاستهلاكية والغذائية التي يطلبها الناس في رمضان، حيث انتشرت ولأول مرة بسطات بيع التمور المغلفة وذات النوعية الجيدة، التي تباع عادة في المحلات في حين كانت تباع على البسطات التمور المكشوفة الفرط والرخيصة الثمن نسبيا, وتتصدر أنواع التمور الثمينة والجيدة عدة ماركات من التمور السعودية المستوردة، التي تباع بالسعر الأعلى بين التمور المعروضة، ومنها تمور إماراتية وإيرانية وعراقية.

ويلاحظ أيضا وبسبب مجيء رمضان في الصيف والطقس الحار انتشار باعة شراب العرقسوس والتمر هندي والمشروبات الباردة والعصائر بشكل واسع حتى قبل بدء الشهر الفضيل، وهؤلاء ما زالوا حريصين على تقديم هذه المشروبات المحببة لدى السوريين خاصة في الشهر الفضيل بنفس أسعار المواسم السابقة، على الرغم من دخول مادة السكر فيها، التي ارتفعت أسعارها, وما زال هؤلاء الباعة حريصين على الشكل الفلكلوري التقليدي لطريقة بيعهم وتحضيرهم لهذه المشروبات وفي اللباس الذي يرتدونه، وهو لباس تقليدي متميز يعتمد على الصدرية والشروال والطربوش، ومن خلال الأوعية المعدنية والكأسات التي تزنر خصرهم، والتي يستخدمونها لتلبية طلبات الزبائن العابرين بتقديم كأس تمر هندي بارد وعرقسوس، الذي يعتبر من أهم المشروبات المساعدة على التخفيف من الشعور بالعطش في الأيام الحارة، ولذلك يقوم عادة السوريون وهم في طريق عودتهم لمنازلهم قبل وقت الإفطار، وبشكل يومي، بشراء العرقسوس بكميات تناسب عدد أفراد الأسرة والضيوف من هؤلاء الباعة.