نحو تفسير أسهل (1)

د. عائض القرني

TT

عن أي شيء يسأل المشركون بعضهم بعضا؟ والاستفهام لإضفاء الاستعظام بشأن هذا الأمر، وما اختلف فيه المشركون إلا لما أصابهم من الذهول لضخامة ما حدث في العالم من رسالة ربانية عالمية.

«عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» (النبأ: 2).

فهم يتساءلون عن الخبر العظيم الذي ملأ القلوب هيبة، والنفوس رهبة، والعقول دهشة من إرسال نبي بشير نذير، وكتاب كريم منير، وبعث ونشور، وقد طال فيه نزاعهم وكثر خلافهم، وهو حق لا ريب فيه، صدق لا كذب فيه، يقين لا شك فيه.

«الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» (النبأ: 3).

ففي هذا اليوم كثر لغطهم وغلطهم ما بين مصدق ومكذب، ومقرّ ومنكر؛ لأن نبأه عجيب، وخبره غريب.

«كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» (النبأ: 4).

والله لسوف يعلمون إذا بُعثر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور، وكشف الغطاء، وظهر الخفاء، حينها يعلمون صدق الخبر وصحة الأمر، وقبح فعلهم وسوء عملهم.

«ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» (النبأ: 5).

بلى والله لينكشفن لهم بعد الموت الحق في هذا الأمر من ثبوت ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله من بعث ونشور، وجنة ونار، وصراط وميزان، وغيرها من أخبار الغيب.

«أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا» (النبأ: 6).

والدليل على صحة الرسالة وأخبار الغيب أن من أخبر بها هو الذي أتقن خلق الأرض، فمهدها وبسطها وسهلها لمصالحكم من البناء والزراعة والسكنى والمعاش، فالأرض أم رؤوم، فيها الرزق المقسوم، والقوت المعلوم.

«وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا» (النبأ: 7).

وجعلنا الجبال تمسك الأرض كالأوتاد، فلا تميل ولا تضطرب، ووزعناها على الأرض بتقدير محكم، فتجدها مقسَّمة بين أطرافها الأربعة ووسطها بإتقان، وحسن تدبير، فسبحان اللطيف الخبير.

«وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا» (النبأ: 8).

وخلقناكم زوجين، ذكورا وإناثا؛ ليحصل التوالد والتناسل وبقاء النوع واستمرار الحياة، ولو كان زوجا واحدا لانقطع النوع، وحصل فناء هذا الصنف من المخلوقات، لكن الله أوجد الذكر والأنثى من الإنسان والحيوان والطيور وكل مخلوق.

«وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا» (النبأ: 9).

وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، وقطعا لأشغالكم، تستريح فيه الأجسام بلذيذ المنام؛ لتعود إلى العمل بنشاط.

«وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا» (النبأ: 10).

وجعلنا الليل كاللباس لكم يستركم ويغطيكم، ففيه تعودون إلى سكنكم، وتُهدئون من حركتكم ومعاشكم.

«وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا» (النبأ: 11).

وجعلنا النهار سببا لكسب الرزق، وطلب المعاش وزمنا للجد والعمل، والبناء والإنتاج؛ لتحصل الحياة والإعمار.