مصر: موائد إفطار الإسلاميين في رمضان تحل بديلا لـ«كرنفالات السياسيين»

الجماعة الإسلامية تنظم دروسا في المساجد والأماكن العامة.. والسلفيون يطرقون الأبواب

موائد الإفطار الرمضانية من مظاهر التكافل بين المسلمين في شهر رمضان المبارك («الشرق الأوسط»)
TT

بعد 30 عاما من المنع من اعتلاء منابر المساجد وإلقاء الدروس عقب صلاة التراويح خلال شهر رمضان، عادت التيارات الإسلامية بقوة في مصر في شهر رمضان الفضيل، حيث جدد الإسلاميون دعوتهم لتصدر المشهد الديني خلال الشهر الكريم، بعد تصديهم للمشهد السياسي في مليونية «جمعة توحيد الصف» في 29 يوليو (تموز) الماضي.

«هتفطر فين اليوم؟» سؤال يلوح في أذهان المصريين ممن يفطرون خارج منازلهم، بعدما تبدل شكل موائد الرحمن في شوارع القاهرة واختفت موائد المشاهير ونجوم المجتمع والسياسة، لتقام بعدها موائد الإسلاميين بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) مع أول أيام شهر رمضان.

وأعلنت الجماعة الإسلامية أنها ستعد موائد الرحمن في كل المناطق والأحياء، إلى جانب قيام مشايخها بإمامة المصلين في صلاة التراويح وإلقاء الدروس في المساجد الكبرى وتنظيم لقاءات للتعريف بفكر الجماعة. وقرر التيار السلفي القيام بحملة طرق الأبواب على المنازل عقب صلاة العشاء يوميا للتعريف بالفكر السلفي وفوائد الصيام، بالإضافة إلى تبني التيار حملة محاربة الغلاء خلال رمضان والتأكيد على مبدأ تحقيق التكافل الاجتماعي من خلال المساعدات المادية والعينية للأسر المصرية.

في المقابل، قررت وزارة الأوقاف المصرية إلغاء ملتقى الفكر الإسلامي الذي كان يعقد سنويا خلال شهر رمضان في ساحة مسجد الحسين وكان يضم نخبة من علماء الأزهر، لاعتبارات أمنية.

وفي حي السيدة زينب الشعبي بوسط القاهرة، سيحل شهر رمضان هذا العام لأول مرة من دون «موائد الرحمن» العملاقة التي كان يقيمها أحمد فتحي سرور رئيس البرلمان المصري السابق منذ أكثر من 20 عاما، وكذلك من دون مائدة يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق في حي شبرا الخيمة بالقاهرة الكبرى، ومائدة زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق في حي حلمية الزيتون (شرق القاهرة)، إلى جانب اختفاء الموائد السياسية لرموز الحزب الوطني «المنحل» (الحاكم سابقا) في القاهرة والمحافظات، وموائد مشاهير الفن والنجوم المحسوبين على النظام المصري السابق وفي مقدمتهم: عادل إمام وحسن يوسف.

وتعد «موائد الرحمن» في مصر من أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي التي تميز الشهر الكريم عن باقي شهور السنة. وتتفاوت الأطباق المقدمة من خلال «موائد الرحمن» ما بين الأحياء الراقية والأحياء الشعبية، ومن الملاحظ هذا العام وجود مساجد كبرى تعد موائد تتفنن في تقديم أشهى الأطباق.

وقالت دراسة بجامعة الأزهر إن «موائد الرحمن» في القاهرة وحدها تتكلف ما يزيد على مليار جنيه في رمضان، بينما ينفق أهالي المحافظات الأخرى على تلك الموائد مليار جنيه أخرى، وأشارت الدراسة إلى أن عدد المواطنين الذين يأكلون على موائد الرحمن يبلغ 3 ملايين شخص يوميا.

وبعد منعها من ممارسة أي نشاط ديني لسنوات طويلة في عهد النظام السابق، أعلنت الجماعة الإسلامية عن قيام مشايخها بالعودة لاعتلاء منابر المساجد في شهر رمضان، وقيامها بتخصيص موائد للصائمين في جميع الأحياء والمساجد، وزيادة أوقات حلقات الدروس في الأماكن العامة. وقال الشيخ إسماعيل الجن، عضو الجماعة الإسلامية: «إن رمضان هذا العام سوف يشهد عودة الجماعة بقوة في المساجد التي حرمنا منها طوال الـ30 عاما الماضية»، لافتا إلى أن الدعوة طوال شهر رمضان لن تقتصر على المساجد فقط؛ بل ستكون في وسائل المواصلات العامة وفي الحدائق والميادين، لتعريف الصائمين بفوائد شهر رمضان.

وقال الشيخ الجن لـ«الشرق الأوسط» إن «الجماعة سوف تقيم موائد للصائمين في جميع الأماكن العامة والميادين، بالإضافة إلى تقديم المساعدات المادية والعينية للأسر الفقيرة في رمضان»، موضحا أن الجماعة تسعى إلى نشر مبدأ التكافل بين الأغنياء والفقراء في رمضان من خلال موائد إفطار الصائمين.

وأكد محمد نور، المتحدث باسم حزب النور السلفي، إن الحزب سوف يبدأ حملة طرق الأبواب خلال شهر رمضان على المنازل عقب صلاة العشاء للتعريف بالفكر السلفي ومبادئ الحزب، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب سوف يتبنى برنامجا اجتماعيا للتخفيف على المسلمين خلال شهر رمضان ومحاربة الغلاء.

من جانبها، قررت وزارة الأوقاف المصرية إلغاء ملتقى الفكر الإسلامي، وكشف الدكتور عادل عبد الشكور، الداعية في وزارة الأوقاف، عن عدم إقامة ملتقى الفكر الإسلامي الذي كان يعقده المجلس سنويا خلال شهر رمضان في ساحة مسجد الحسين؛ وذلك لاعتبارات أمنية وحفاظا على رواد الملتقى وعلماء المسلمين. وقال عبد الشكور لـ«الشرق الأوسط» إن هناك خططا بديلة لتنظيم لقاءات وأمسيات دينية مع علماء الأزهر داخل مسجد الحسين.

وفي السياق نفسه، دعت الحركات والائتلافات والقوى السياسية إلى إقامة مائدة إفطار يومية في ميدان التحرير؛ إلا أن اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة قصرت الدعوة على يوم واحد هو يوم 5 رمضان، وأكد الداعية السلفي الدكتور صفوت حجازي، أن الميدان سوف يستضيف مجموعة من العلماء والمشايخ لإلقاء الدروس على جموع المصلين بعد أدائهم صلاة التراويح عقب الإفطار الجماعي.

من جهته، قال أحمد عبد الحميد، عضو تحالف الثوريين الأحرار: «إن إقامة مائدة طوال شهر رمضان في ميدان التحرير سوف يخلق نوعا من المحبة بين المشاركين فيها»، لافتا إلى أن وجودها سيتيح فرصة للنقاش حول المستقبل السياسي في مصر وعمل أمسيات دينية لمختلف التيارات عقب صلاة العشاء.

وأضاف عبد الحميد لـ«الشرق الأوسط» أن أغلب التيارات الدينية أعلنت رغبتها في الحضور يوميا إلى الميدان لأم المصلين في صلاة العشاء وإلقاء الدروس، لافتا إلى أن التيارات ضمنت أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيار السلفي، إلى جانب علماء من الأزهر ودعاة وزارة الأوقاف.

ويشار إلى أن تقارير كثيرة صدرت خلال الأعوام الماضية، تؤكد زيادة إنفاق المصريين على الطعام والشراب بشكل كبير في شهر رمضان، وقال الدكتور جمال حسن، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، إنه رغم ما تكشفه هذه الإحصاءات من ظواهر، فإنها تجهل ظواهر أخرى، مثل استقطاب «موائد الرحمن» في مصر قرابة مليوني صائم يوميا.

وأوضح تقرير صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري أن 78 في المائة من رواد «موائد الرحمن» هم من الذين يعملون في القطاع الخاص، بينما يعمل قرابة 12 في المائة منهم في القطاع الحكومي. وأكد التقرير أن عدد «موائد الرحمن» العام الماضي بلغ نحو 13555 مائدة في المحافظات المصرية كلها، ووصل عدد المترددين عليها ما بين 1.8 و1.9 مليون مواطن يوميا، أي ما يزيد على 50 مليون شخص على مدار الشهر. وبلغ متوسط التكلفة الكلية للمائدة الواحدة 1269 جنيها يوميا، بينما يبلغ متوسط تكلفة الوجبة للفرد الواحد نحو 9 جنيهات يوميا.