المغرب: العادات الرمضانية تبدأ بـ«عواشر مبروكة» وتختتم بـ«الشاي المغربي»

المغاربة يحرصون على إحياء الزي المغربي في شهر رمضان

المغربيات يحرصن على ارتداء زيهن الوطني طوال شهر رمضان المبارك
TT

العادات الرمضانية في المغرب تبدأ مع بداية التأكد من دخول الشهر، حيث يبدأ أهل المغرب في التهنئات، بالمقولة المعروفة لدى المغاربة بـ«عواشر مبروكة»، والمقصود بها أيام مباركة مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاث: عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.. ثم نرى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني في ما بينهم سرورا بحلول الضيف الكريم، كما هو المعهود، حيث إن رمضان يعد فرصة عظيمة للتقارب والصلة بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع.

ويحتفي الشعب المغربي بقدوم شهر رمضان المبارك، ويظهر هذا جليا في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، حين يبدأ استعداد المغاربة لاستقبال رمضان، ومن تلك المظاهر تحضير بعض أنواع الحلوى الأكثر استهلاكا، والأشد طلبا على موائد الإفطار، ومن أشهرها «الشباكية»، التي اشتهرت بها المائدة المغربية، هذه الحلوى يعود تاريخها، حسب حكايات قديمة تُروى، إلى رجل جزائري أتى إلى المغرب يبيع حلوى على عربة صغيرة، وكان يرى فتاة جميلة تطل عليه من شباك مزخرف، فأعجب بها وأصبح يأتي بالقرب من بيتها وهي تطل عليه، ويشكل العجينة بشكل زخرفة الشباك ويقليها ويضعها في العسل، وقد أصبحت الآن هذه الحلوى رمزا من رموز المائدة الرمضانية.

ومن الملامح المتجلية لاستقبال شهر رمضان الحرص على ارتداء الملابس التقليدية الذي يطلق عليها الجلابة أو الجلباب والقفطان أو التكشيطة وفقا للمستوى الاجتماعي، حيث تحرص الأسر المغربية على إحياء التراث في هذا الشهر الفضيل. فيقول محمد «نحرص كأسرة مغربية على ارتداء الزي المغربي في الشهر الفضيل، وهذه فرصة لإحياء تراثنا التقليدي، تقديرا وفرحة بقدوم الشهر الفضيل»، ويضيف أيضا «أحرص على أن يرتدي أطفالي الصغار الزي المغربي في هذا الشهر، وذلك لإحياء التراث المغربي فيهم وخوفا من نسيانه من قبل الأجيال الصاعدة».

ومن العادات التي اشتهر بها المغاربة في شهر رمضان عادة الاحتفال بالصوم الأول للأطفال في يوم من أيام رمضان، لا سيما في السادس والعشرين منه، ويعد الاحتفال بهذا اليوم من مظاهر العادات التقليدية المغربية التي تتجسد فيها معالم الحضارات السابقة، حيث تشكل محطة أساسية للأسر المغربية داخل شهر رمضان والتي تعمل من خلال هذا التقليد على تكريس الانتماء الديني للطفل المغربي المسلم الذي تشده مظاهر هذه التجربة فيخوض غمارها لأول مرة من دون تراجع. فتحكي زوجة محمد «نحرص بل ونحفز أبناءنا على الصيام منذ الصغر، حيث ندخل الطفل في تجربة الصوم وإشراكه الكبار فرحة رمضان، ونعمد إلى تشجيعه والتنويه بانتصاره على شهوة البطن وتقربه لله تعالى بإمساكه عن الطعام، وذلك بإهدائه الهدايا التي عادة ما تكون من اللباس المغربي الذي يتضمن الجلباب، البلغة، وأخيرا الطربوش».

وتضيف زوجة محمد قائلة «للفتاة الصغيرة عند صومها الأول طقوس لا تخرج عن العادات والتقاليد المغربية، حيث يتم تزيينها بالشكل الذي تزين به العروس ليلة زفافها، والجميل في الأمر أن هذا التزيين تمتزج فيه كل الإكسسوارات الأمازيغية واللباس الأندلسي والأفريقي والعربي، نلبسها القفطان المغربي ونزين يديها بالحناء، احتفاء بها، ونحرص على أن يكون أول ما تتذوقه الفتاة التمر والحليب، وتحمل لحظة تناولها الإفطار معاني السمو الروحي، حيث تكون لحظة غير عادية للطفلة التي تمتزج روحها بلحظات تعبد لله».

كما يستوقفنا في رمضان بالمغرب الوجود الكثيف داخل المساجد، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين لا سيما في صلاة التراويح وصلاة الجمعة، إلى حد تكتظ معه الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين، مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب ودينه، وتمسكه بقيمه ومبادئه، وهنا يخبرنا محمد أنه يذهب رفقة أبنائه إلى المسجد بعد الإفطار لأداء صلاة التراويح، حيث يقول «لا يمكننا أن نغفل يوما واحدا عن صلاة التراويح، لأنها تقتصر على 30 يوما فقط، وهذه فرصة للتقرب إلى الله وتحفيز أبنائنا على الصلاة والحفاظ على قيم ديننا الحنيف، كما تحرص زوجتي على حضور الدروس الرمضانية التي تقام خلال شهر رمضان».

وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما يسمى بـ«الدروس الحسنية الرمضانية»، وهي عبارة عن سلسلة من الدروس اليومية تقام خلال أيام الشهر الكريم بحضور كوكبة من العلماء والدعاة، وتلقى هذه الدروس اهتماما من الأفراد، لما يلمسونه من أهميتها ومدى ارتباطها بواقعهم وإجابتها عن أسئلتهم، حيث تقوم وزارة الأوقاف بطباعة هذه الدروس وتوزيعها إتماما للفائدة. فقد أصبح تقليدا سائدا في المغرب منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان الملك الراحل الحسن الثاني يقيم «الدروس الحسنية الرمضانية» خلال أيام الصوم، ويحضرها علماء وفقهاء من جميع أرجاء العالم العربي والإسلامي، تختار نخبة منهم لإلقاء دروس أمام الملك في القصر بالرباط، يحضرها كبار رجال الدولة ووزراء الحكومة ومسؤولو الجيش والأمن، وقد حافظ الملك الحالي على نفس التقليد والتسمية.

وليالي رمضان عند المغاربة تتحول إلى نهار، بعد أداء صلاة العشاء وأداء التراويح، حيث يسارع الناس إلى الاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث. وهنا يبرز «الشاي المغربي» كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة. ويأتي أخيرا المسحراتي، الذي لا يزال حاضرا في الشوارع والأزقة المغربية، ولا يزال يحافظ على طابعه التقليدي. وتقول زوجة محمد «إن المسحراتي أو من نسميه نحن بـ(الطبال) لا يزال يحظى بحضور وقبول مهم في شهر رمضان، فعلى الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر، فإن ذلك لم ينل من مكانة تلك الشخصية، ولم يستطع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني؛ حيث ما زال المسحراتي حاضرا في كل حي وكل زقاق، يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحر، مما يضفي على هذا الوقت طعما مميزا ومحببا».