«بصرى الشام» في منطقة حوران: أول بقعة من الشام خلصت إليها النبوة

تضم أول مسجد بناه المسلمون في سوريا عند الفتح أيام الخليفة عمر بن الخطاب.. ويعرف بالجامع العمري

الجامع العمري نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب ويسميه السكان جامع «العروس» في بصرى الشام بمنطقة حوران جنوب سوريا («الشرق الأوسط»)
TT

تتميز مدينة بصرى الشام في منطقة حوران جنوب سوريا بتاريخ عريق، حيث مرت عليها الكثير من الحضارات، وازدهرت كثيرا في الكثير من العهود القديمة، حيث كانت مدينة مهمة في عهد الأنباط، وأصبحت بصرى أكبر قاعدة للقوافل بين دمشق والبتراء، ومن المرجح أن بناء أسوار المدينة وبعض القصور النبطية وأحواض الماء تم في ذلك العهد، وفي عام 105م هاجم الرومان المنطقة واحتلوها، وقاموا بتعبيد الطريق الذي يمتد من دمشق إلى بصرى مارا بالمسمية وقنوات والسويداء. كما بنى الرومان المسرح والمدرج الكبير. وفي العهد البيزنطي كانت بصرى تحت حكم ملوك الغساسنة الذين حاربوا الفرس واللخميين العرب الذين كانوا مواليين للفرس، وبعد أن سقطت دمشق في أيدي الفرس عام 613م تعرضت بصرى لأقسى أنواع التدمير بعد أن احتلها الفرس في ذلك الحين، وبعد حروب هرقل مع الفرس وهزيمتهم منذ عام 622 - 629م أخذ الغسانيون يستعيدون نفوذهم وعلاقاتهم مع البيزنطيين. إلى أن تم الفتح الإسلامي لمدينة بصرى، الذي جاء بعد معركة أجنادين بقيادة شرحبيل بن حسنة، ويبدو أنها استعصت على جيوش العرب المسلمين التي أحاطت بها في عام 635م حتى قدم خالد بن الوليد من العراق وتسلم إمرة الجيش، فضيق الحصار على حاميتها حتى أجبرها على الدخول في معركة مع جيوش العرب المسلمين، وكانت المعركة الفاصلة، معركة اليرموك في العشرين من أغسطس (آب) عام 636م، حيث أحاطت الهزيمة بجيوش البيزنطيين وتراجعت، وتحررت بصرى، وكان الفتح الإسلامي لها.

وقد احتلت بصرى مكانا مرموقا في نفوس سكان الجزيرة العربية، ويبدو أنها أدهشت كل من زارها من هؤلاء العرب بقصورها الشامخة وأسواقها الغنية وبساتينها الخضراء، وقد جاء في الحديث الشريف أن آمنة بنت وهب لما حملت بالرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، «رأت كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى»، فكانت بصرى أول بقعة من الشام خلص إليها النبوة.

ما زالت بصرى تحتضن الكثير من الجوامع والمساجد التاريخية، خاصة أن بصرى شهدت بناء أول جامع في بلاد الشام بعد دخول الدين الإسلامي، ومن أهم هذه الجوامع: «الجامع العمري»، وهو من أروع المساجد الإسلامية القديمة المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وهيكلها الأصلي، وهو أول مسجد بناه المسلمون في سوريا عند الفتح أيام الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ويعرف بالجامع العمري نسبة إليه، ويسميه السكان «جامع العروس» أو«الجامع الكبير»، وكان من قبل هيكلا وثنيا، ويعتبر المسجد الوحيد الذي بني في عهد الإسلام الأول، وحافظ على طراز واجهته القديمة إلى وقتنا الحاضر وجميع أعمدته لا تزال في مكانها الأساسي، مع العلم أن ترميمات كثيرة حصلت فيه.

يوجد الجامع العمري وسط مدينة بصرى القديمة في منتصف شارع السوق، وبالقرب من مجموعة المباني الرومانية القديمة, ويتكون الجامع من رواقين بينهما أعمدة دائرية الشكل بطول ثلاثين مترا وارتفاع ثلاثة أمتار، يتوسطها رواق مستعرض ذو أقواس واسعة تقوم على دعائم مستطيلة، كما هو الحال في الجامع الأموي بدمشق, ويتميز الجامع بمئذنة مربعة الشكل أضيفت عليه القرن الثاني عشر الميلادي، ويتم الصعود إليها من داخل المسجد، كما تم بناء السور الخارجي للمسجد في العصر الأيوبي، ويشير نقش كتابي منفذ بالخط الكوفي المتطور إلى أن أعمال الترميم، التي تمت في القرن السادس الهجري، جرت على يد الأمير عز الدين أبو منصور كمشتكين، حيث رمم الجامع العمري في بصرى في ذلك التاريخ، بالتوازي مع ترميم جامع دمشق الأموي, حيث تم فيه تحسين الجدران الداخلية بطبقة من الجص، كما تم إكساء الإغناءات في المحراب والجدار الجنوبي بزخارف جصية لا تزال أجزاء منها باقية حتى الآن.

وفي القرن العشرين شهد الجامع أعمال ترميم واسعة بدأت منذ العام 1938، وشملت المصلى والصحن والجدران وغير ذلك.

ومن الجوامع التاريخية أيضا هناك جامع «مبرك الناقة»، حيث يقترن اسم هذا المسجد بذكريات تاريخية عظيمة متعاقبة، ففيه بركت الناقة التي حملت أول نسخة من القرآن الكريم إلى سوريا، حيث حفظت فيه، وفيه تخرج كثير من كبار العلماء.

ويروي البعض أنه بني فوق الأرض التي قام عليها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، عندما جاء إلى بصرى، ثم بقي مدة طويلة مركزا ثقافيا تعاقب على التدريس فيه أئمة المذهب الحنفي. ويقع جامع المبرك في الزاوية الشمالية الشرقية من سور المدينة، ويتكون من ثلاثة أقسام رئيسية لكل منها محرابه.

وأقدم قسم فيه، وأكثره أهمية هو القسم الغربي، لأن أمام محرابه وضعت البلاطة التي ركعت عليه الناقة التاريخية، وقد بني هذا الجامع في العهد النوري، ويلاحظ أن جدران الجامع بنيت من الحجر البازلتي الأسود الذي يكثر في منطقة حوران، ويتألف من مئذنة مربعة واسعة ومن قبة بيضاء اللون مطلية بالكلس.

ومن الجوامع التاريخية في بصرى هناك: «جامع كمشتكين» ويسمى اليوم جامع الخضر، وهو مسجد إسلامي قديم جدا، ويبدو أنه تهدم قبل أوائل القرن السادس للهجرة، فأمر بتجديده في عام 528هـ أمين الدولة كمشتكين الأتابكي، والي بصرة في ذلك الحين، وكغيره من مساجد بصرى التاريخية بني من الحجر البازلتي، وله مئذنة مربعة الشكل. وهناك جامع «فاطمة» ويعود للعهد الفاطمي، وله سور منخفض مع مئذنة مربعة الشكل تعلو جدران الجامع وتلاصق أحدها, وهناك جامع الباسمين ويضم أقواسا معمارية جميلة، وجامع ياقوت المتميز بهندسته المعمارية ذات الأقواس والجدران البازلتية.