قطب الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه لانشغاله بدعوة كبار الكفار، فأعرض ولم يصغِ لسؤال الأعمى، وخاطبه بالغيبة تلطفا.
((أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى)) [عبس: 2].
لأجل أن جاءه الأعمى (ابن أم مكتوم)، فكأن المعنى: هذا مسكين وأعمى وسائل عن العلم وتعرض عنه؛ لإثارة العطف والرحمة.
((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)) [عبس: 3].
وما ينبئك -أيها النبي- أن هذا الأعمى جاء ليتطهر بهداك من ذنوبه، وبعلمك من آثار جهله.
((أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى)) [عبس: 4].
أو لعله يتعظ بقولك فينتفع ويعمل بما سمع، فالتزكية عمل الطاعات، والتذكر ترك المحرمات، وهما التقوى.
((أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى)) [عبس: 5].
أما من استغنى بماله وجاهه ودنياه عن رسالتك، فهو منغمس في شهواته، منتكس في مخالفاته، لم يعتن برسالتك.
((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس: 6].
فأنت تقبل عليه وتعتني به وتحييه طمعا في هدايته، هو معرض وأنت مقبل، وهو موغل في ضلالته، وأنت حريص على هدايته.
((وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى)) [عبس: 7].
وليس عليك حرج ألا يتطهر من معصيته، حتى تحرص على هدايته، فدعه ما دام اختار الغواية وترك الهداية، واتركه في رجسه.
((وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى)) [عبس: 8].
وأما من أتاك ساعيا لطلب الهداية، باحثا عن العلم، سائلا عن الحكمة، حريصا على الفقه في الدين، وأتاك محبّا لك ولدينك.
((وَهُوَ يَخْشَى)) [عبس: 9].
وهو يخاف عذاب الله ويخشى عقابه، حمله الخوف على السؤال؛ ليعلم الحلال فيعمل به، ويعلم الحرام فيجتنبه، فبالخوف تنال النجاة.
((فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)) [عبس: 10].
فأنت تتشاغل عنه بغيره، فلا تجيب سؤاله، ولا تسمع كلامه، مع أنه أتى راغبا وأنت تلاحق من ولى هاربا.
((كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ)) [عبس: 11].
كلا لا تعُد لمثل هذا العمل -أيها الرسول- فإن هذه موعظة ونصيحة، فعليك أن تعظ من ينتفع بموعظتك.
((فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ)) [عبس: 12]. فمن أحب أن ينتفع بموعظة القرآن فعل، فهذب نفسه بالوحي، وقوَّم سلوكه بالدين، فانتفع من العلم النافع بعمله الصالح.
((فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ)) [عبس: 13]. هذه النصائح من القرآن مسطرة في صحف شريفة، عزيزة المكان، مقدسة الجناب، محترمة المحل؛ لأنها كلام الله عز وجل.