مجلس الشريعة في لندن عراب إصلاح ذات البين للجالية المسلمة في بريطانيا وأوروبا

10 عاملين و18 قاضيا يسهمون في معالجة 13 ألف مسألة سنويا منها 1700 للعلاقات الزوجية

مقر مجلس الشريعة الإسلامي في لندن الذي ينظر في حل قضايا الخلع والطلاق لأفراد الجاليات الإسلامية في بريطانيا («الشرق الأوسط»)
TT

يبذل مجموعة من أفراد الجالية الإسلامية في بريطانيا جهودا كبيرة، لمحاولة تهيئة البيئة البريطانية لعيش بقية أفراد جاليتهم، التي تقدر بـ1.8 مليون نسمة، فيما يتعلق ببعض الجوانب الحياتية، ويأتي في مقدمتها ما يختص بالعلاقات الأسرية، وأصول التربية الحديثة، لحمايتها من التفككات التي باتت تجتاح كثيرا من المجتمعات، بما فيها الإسلامية، بسبب بعض الخلافات على مستوى الأسرة الواحدة، أو على مستوى أكبر بين أن أفراد الجاليات فيما بينهم، وغالبا ما تكون هذه الخلافات نتيجة لأسباب بسيطة، لو تم تداركها بشكل مبكر، لما أدت لنتائج أكبر، من قطع صلات، طلاق، خلاقات مالية، فكرية، إلى آخره من الإشكالات التي أضعفت العلاقات الاجتماعية.

ونتج عن هذه الجهود إنشاء مجالس شرعية إسلامية، تؤكد الإحصاءات الأخيرة أنها زادت على العشرة، تضم عددا من المتطوعين في جانب القضاء وإصلاح ذات البين، والمساعدة في حلول بعض المشكلات بين أفراد الجالية المسلمة، ويأتي في مقدمة هذه المؤسسات وأكثرها تنظيما وشهرة داخل الوسط البريطاني، مجلس الشريعة الإسلامي، بمنطقة ليتون شرق لندن، الذي أنشئ عام 1989، ويعنى بأمور الجالية في بريطانيا وبعض الدول الأوروبية القريبة عامة، والعاصمة البريطانية لندن على وجه الخصوص.

وكانت آثار الحرص بادية على أعضاء مجلس الشريعة الإسلامية في منطقة ليتون شرق لندن، أثناء جولة «الشرق الأوسط» الميدانية هناك للاستطلاع عن قرب آلية عمل المجلس، وأرجع يحيى عبد المنعم المدير الإداري للمجلس، هذا الحرص، لعتبهم الكبير على بعض وسائل الإعلام البريطانية التي تأتي إلى المجلس، ولكنها تخرج بتقارير غير دقيقة، حسب رأي يحيى، مشددا على أنهم «لا يريدون غير الوجه الحقيقي لعمل المجلس، بغض النظر إن كان سلبيا أو إيجابيا، ولكن على الأقل ستكون الصورة الحقيقية للمجلس، سواء شئنا أم أبينا».

ويهتم مجلس الشريعة الإسلامي في منطقة ليتون بلندن، بتقديم استشارات فكرية للجالية المسلمة في بريطانيا، وكذلك بعض دول أوروبا، لرأب صدع الخلافات العائلية وغيرها، ويوضح الدكتور صهيب حسن، أمين عام مجلس الشريعة الإسلامية: «بالنسبة للدول الأوروبية، يكون لنا ممثلون هناك، وهم أفراد ثقات، وعلى درجة عالية من العلم، ولذلك حين تأتينا أي مسألة أو طلب استشارة، من خارج لندن، نوجه هؤلاء السائلين لممثلينا في تلك الدول، حيث يتم استقبالهم والاستماع إلى كافة مسائلهم، وبعد ذلك يتم إعداد تقرير شامل لنا، وعلى ضوئه نصدر رأينا في ذلك، وذلك يختلف حسب الحالة، فبعض الحالات يتم إصلاح ذات البين فيها، والبعض الآخر، عن مسائل الإرث، وبلا شك مسائل الخلع والطلاق التي باتت تعرض إلينا بشكل أكبر في السنوات الأخيرة».

وتبدوا الفائدة التي تجنيها الجالية المسلمة في بريطانيا وأوروبا من المجلس الإسلامي في ليتون كبيرة، من خلال الأعداد الكبيرة التي تتقدم للمجلس، إضافة إلى الحلول الفعالة التي يتوصل إليها العاملون في المجلس مع القضايا التي تردهم، لا سيما العويصة منها، ويستشهد الشيخ صهيب بقصة ثري عربي لديه ثروة مالية هائلة، «بعيدا عن هوية هذا الرجل، فقد كانت ثروته كبيرة، وفي دول عربية وعالمية متفرقة، ولكن كونه كان متزوجا من امرأتين حصل خلاف بين أبنائه على الميراث، ومنهم من رأى تبرع أبيهم بمبلغ 15 مليون دولار لأعمال خيرية غير معقول، في ظل حاجة الأقربين للمساعدة، وهم أولى، ومع تفرع هذه القضية إلى أننا تمكنا، بتوفيق الله، من حلها، وإنهاء سوء الاختلاف بين الأبناء، وهذا بلا شك، الهدف الرئيسي من فكرة مجلس الشريعة الإسلامي، فهو لمساعدة الجالية المسلمة في حل قضاياها، ومحاربة التفكك الأسري».

واستقبل المجلس 7000 مسألة حتى عام 2009، ووصلت إلى 13000 حتى منتصف العام الحالي 2011، حيث يستقبل المجلس 500 مسألة في الشهر منها 40 عن حالات الطلاق والحكم، وعلى الرغم من هذا الجهد الكبير، فإن من يستقبل هذه القضايا ويعمل عليها، لا يتجاوز عددهم 28 شخصا، ما بين 18 قاضيا متطوعا، و10 موظفين رسميين بدوام كامل، وعلى الرغم من قلة العدد مقارنة بالنتائج للعمل، فإن الجهد والحماس يبدوان طاغيين على أجواء مقر المجلس، ويقوم أحد الأشخاص، وهو الشاب التونسي سفيان المليح الدبابي، بتحضير الملفات الخاصة بالقضايا، ليوجهها لدى المدير الإداري للمجلس، الشاب المصري يحيى عبد المنعم، وسط أجواء تدل على الخدمة الكبيرة التي يقدمها المجلس للجالية المسلمة.

ويوجد قاضيان بشكل يومي على مدار أيام العمل الرسمي، ويفصلون في القضايا في نفس المقر وبوجود أصحاب تلك القضايا، ويشير الشيخ صهيب إلى أن «التعامل مع القضايا يكون عبر كافة المذاهب الإسلامية، لا سيما أننا نجتمع مرة كل شهر، في مجلس الثقافة الإسلامي، ويوجد عدد من المشايخ، كل يمثل مذهبه، حتى نضمن أن التعامل مع الأمور يكون كاملا وتاما، بإذن الله، في ظل وجود جاليات مسلمة من أصول مختلفة من باكستان، الهند، بنغلاديش، الصومال، بالإضافة إلى عدد من أفراد الجالية المسلمة الذين يعودون لأصول عربية».

ويركز مجلس الشريعة الإسلامي على الإصلاح في كل القضايا التي تأتيهم قبل الشروع بأي حكم، ويشدد أمين مجلس الشريعة الإسلامي على أن «هدفنا بكل تأكيد هو إصلاح ذات البين، ومساعدة الجالية المسلمة على حل مشكلاتها، ولذلك، على سبيل المثال، قضايا الخلع والطلاق، نجتهد في التعامل معها بصبر وحكمة وروية، ومحاولة تشجيع الطرفين، على الصلح، خاصة أن الوقت في ذلك لا يكون قصيرا، فهناك مواعيد، ومن ثم النظر في القضية والاستماع إلى أطرافها، وخلال هذا الوقت الطويل نأمل أن يكون الزوجان قد راجعا أنفسهما، وبالتالي التصالح، ونكتب اتفاقية رسمية بذلك الصلح، ولكن إذا انقضت الفترة دون التوصل إلى حل، فإننا نضطر مع الأسف، لمساعدة الزوجين على الانفصال على أن يتسلم كل واحد من الطرفين حقوقه كاملة، فيما يتعلق بالمهر وغيره، وحسب كل حالة، إذا كانت طلب خلع من الزوجة، أو طلاق من الزوج، بما يتفق مع الشريعة الإسلامية».

ووفق النظام البريطاني فلا يوجد تعارض بين عمل مجلس الشريعة الإسلامي، والمحاكم المدنية في بريطانيا، لأن القضايا الإسلامية كالإرث والزواج والطلاق والخلع هي خاصة بالإسلام، ولذلك لا تعترف المحاكم البريطانية بها في الأصل، وإنما تعتبرها قضايا خاصة بالجالية الإسلامية، في حين أن المسلمين في بريطانيا ليس لهم سبيل في حل قضاياهم إلا عن طريق القوانين الإسلامية، فلذلك يتوجهون لهيئة الشيوخ في مجلس الشريعة الإسلامية بمنطقة ليتون، بحسب الشيخ صهيب، ويبين: «تعترف الدولة البريطانية بالزواج بوجود الزوجين وشاهدين، وهذا غير مكمل لشروط الزواج في الإسلام».

ويعد الجهد الذي يقدم من قبل المجلس الإسلامي خدمة للحكومة البريطانية، كون المجلس يعنى بالعمل على مشكلات الجالية المسلمة في بريطانيا، التي تشكل جزءا لا يستهان به من المجتمع البريطاني، خاصة أن الكثير من الجالية المسلمة في بريطانيا، يطمئنون كثيرا، بحل قضاياهم عبر المجلس الإسلامي، فضلا عن توجهم تجاه المحاكم المدنية في بريطانيا، ويعلق أمين مجلس الشريعة على ذلك قائلا: «يأتي هذا كرد على بعض من يتناول عملنا على أننا دولة داخل دولة، وهم لا يعلمون أن عملنا تكاملي مع الحكومة البريطانية، وفي العلن، ويتم ذلك دون التدخل بأي صورة في عمل القضاء البريطاني، بل إن المحاكم البريطانية تستشيرنا أحيانا في بعض القضايا، من خلال الكتابة لنا، وقد استدعوني ذات مرة للنقاش حول بعض القضايا».

وعطفا على ما يقدمه مجلس الشريعة الإسلامي في لندن، فإنه في حاجة ماسة للدعم المادي، لا سيما أن هناك من أعضائه من لا يعمل بشكل رسمي كامل، وإنما بصورة تطوعية.

ويضيف الدكتور صهيب: «بتوفيق من الله تم الحصول على المقر الحالي، وهو جيد نسبيا، وكان في السابق عبارة عن مقر مسجد التوحيد، الذي تغير موقعه، وتم شراء هذا الموقع، ويوجد عليه بعض المبالغ المتبقية، إضافة إلى أن العاملين الرسميين يضحون، بتقبلهم برواتب زهيدة، على الرغم من مستوياتهم العلمية والعملية، ونحن تعتمد في دخلنا على ما يردنا من مصاريف يدفعها المتقدمون لنا في قضايا الطلاق، التي تصل لـ400 جنيه إسترليني، ولكنها تنزل إلى النصف وأحيانا إلى العدم، إذا ما كان حال المتقدم لا يساعده على دفع التكاليف، ونحن لا نأخذ مقابلا ماديا على بقية القضايا والاستشارات، نحن نأخذ فقط على قضايا الخلع والطلاق، ولذلك آمل أن يجد المجلس مزيدا من الدعم ليواصل خدمته للجالية المسلمة في بريطانيا».