هؤلاء يكذبون بيوم الجزاء، ويجحدونه وينكرون البعث والنشور، فلا جنة عندهم ولا نار، ولا موقف بين يدي الجبار.
((وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعتَدٍ أَثِيمٍ)) [المطففين:12].
وما يكذب بيوم القيامة إلا من تجاوز الحدود، ونقض العهود، وكفر بالمعبود، قد أكثر من الآثام، وبالغ في الإجرام، وأسرف في الحرام.
((إِذَا تُتلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) [المطففين:13].
إذا قرئت على هذا الفاجر آيات القرآن قال مستهزئا: هذه حكايات الأولين، وخرافات السابقين، وأباطيل القصاص المحرفين.
((كَلَّا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ)) [المطففين:14].
كلا والله، ليس أساطير الأولين، بل غطى على قلوبهم حجاب التكذيب، وران الذنب، فعميت عن الحق.
((كَلَّا إِنَّهُم عَن رَبِّهِم يَومَئِذٍ لَمَحجُوبُونَ)) [المطففين:15].
كلا والله، إن هؤلاء الكفار ممنوعون من رؤية ربهم، لا ينظرون إليه كما ينظر المؤمنون؛ نكالا بهم وإهانة لهم.
((ثُمَّ إِنَّهُم لَصَالُوا الجَحِيمِ)) [المطففين:16].
ثم إن الكفار يصلون النار، تشوى منهم الوجوه، وتحرق الجلود، وتدخل على الأفئدة؛ لسوء فعلهم وقبح عملهم.
((ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)) [المطففين:17].
ثم تقول لهم خزنة جهنم: هذا العذاب الذي كنتم به تكذبون فذوقوه مهانين، واصلوه خالدين.
((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبرَارِ لَفِي عِلِّيينَ)) [المطففين:18].
ألا إن كتاب الأبرار الصادقين المخلصين لمضبوط في سجل الأخيار، وفي ديوان الأبرار في علو، احتراما وتكريما.
((وَمَا أَدرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ)) [المطففين:19].
وماذا يعلمك عن كتاب عليين؟ إنه والله عال في مكانه، مرتفع في مرتبته؛ لشرف ما فيه من أسماء.
((كِتَابٌ مَرقُومٌ)) [المطففين:20].
إنه كتاب مكتوب بأحرف من نور، ومسطور بإذن العزيز الغفور، بيّن فيه كتابة الأسماء، معلم بعلامات ظاهرة لأهل البر والإحسان.
((يَشهَدُهُ المُقَرَّبُونَ)) [المطففين:21].
يحضر هذا الكتاب العظيم ملأ كريم من الملائكة المقربين الذين أعلى منزلتهم، فهم يشهدون على ما في كتاب الأبرار.
((إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)) [المطففين:22]. إن المؤمنين الطائعين لفي نعيم مقيم، ومقعد صدق كريم، مع خلود دائم، وقرة عين، وبهجة نفس فوق وصف الواصفين.
((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) [المطففين:23].
وهم على الأسرّة الوثيرة المريحة ينظرون إلى ما أكرمهم الله به من مناظر بهية، ومنها نظر بعضهم إلى بعض لزيادة السرور.