نحو تفسير أسهل (17)

د. عائض القرني

TT

تعرف في وجه هؤلاء الأبرار بهجة النعيم، وبهاء التكريم، وبريق السرور، ورونق الحسن، ونور الجمال، وحسن المظهر.

((يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ)) [المطففين: 25].

يشرب هؤلاء الأبرار من شراب خالص لا خلط فيه ولا غش، وهو خمر لا سكر فيه ولا صداع، ختم فلا يفتحه إلا صاحبه، لم تلوثه الأيادي.

((خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)) [المطففين: 26].

غطاء الكأس يفوح منه عبير المسك، وأريجه يفعم النفس، وفي مثل هذا النعيم يتبارى المتسابقون في ميدان الطاعة، وفي سبيل هذا النعيم والتكريم فليتسابق المجتهدون في الخير لينالوه.

((وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ)) [المطففين: 27].

ويخلط هذا الشراب بماء عذب زلال من عين صافية، تصب فيه من مكان عالٍ مرتفع، ليعظم مشهد انصباب الماء.

((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)) [المطففين: 28].

وهذه العين الصافية العذبة هي (التسنيم) التي يشرب منها الأبرار كرامة لهم واحتفاء بهم؛ جزاء عملهم الصالح الحسن.

((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)) [المطففين: 29].

إن الذين كفروا كانوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا، ويضحكون من تصرفاتهم لما في نفوس الكفار من الاستكبار.

((وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)) [المطففين: 30].

وإذا مر المؤمنون بالكافرين تغامزوا بعيونهم استهزاء بهم وسخرية منهم، فكان الأغنياء يسخرون من فقراء المؤمنين.

((وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ)) [المطففين: 31].

وإذا عاد الكفار إلى منازلهم عادوا متلذذين باستهزائهم بالمؤمنين فرحين بسخريتهم من أهل الإسلام عتوا وكبرا.

((وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ)) [المطففين: 32].

وإذا شاهد الكفار المؤمنين قالوا: لقد ضل هؤلاء وأخطأوا الطريق وتركوا دينهم ولم يهتدوا إلى الحق.

((وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)) [المطففين: 33].

وليس الكفار وكلاء على المؤمنين، رقباء على تصرفاتهم، رعاة لأعمالهم، فليس لهم حق في الدخول في شؤونهم.

((فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)) [المطففين: 34].

ففي يوم الحساب ينقلب الحال، يضحك المؤمنون من الكفار حينما يشاهدونهم صاغرين حقارا أذلاء ممقوتين.

((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) [المطففين: 35].

على الأسرة الوثيرة المريحة ينظرون من منازلهم العالية وقصورهم الرفيعة إلى الكفار في النار يعذبون.

((هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانوا يَفْعَلُونَ)) [المطففين: 36].

أما كوفئ الكفار على ما فعلوه في هذه الدار، من السخرية والاستكبار، أما عوقبوا، أما أهينوا، أما صاروا أذلاء بعد العتو، حقارا بعد الكبر، بلى؛ لسوء أعمالهم في الدنيا.