أقسم قسما بالسماء والنجم الذي يطرق العالم ليلا، ويختفي في النهار، فكأن زائرا ليلا يخفيه الظلام.
((وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ)) [الطارق:2].
وما يعلمك - يا محمد - ما الطارق؟ إنه نجم عظيم ثاقب النور، تام الضوء، تخترق أشعته الظلام كأنه يطرق السماء.
((النَّجْمُ الثَّاقِبُ)) [الطارق:3].
هذا النجم المضيء المتوهج، يثقب ثوب الليل بنوره، وينفذ بضوئه بين حجب الظلام.
((إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)) [الطارق:4].
كل نفس عليها حافظ من الله، موكل بحراستها وحفظها مما يؤذيها، وإحصاء عملها، وكتابة سعيها، ومراقبة تصرفاتها.
((فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ)) [الطارق:5].
فلينظر الإنسان باعتبار وتفكر من أي مادة خلقه ربه، وما أصله، وما أول هذا الخلق. إنه من ماء حقير من موضع مهين.
((خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)) [الطارق:6].
خلق من مني يصب في الرحم، فمن أصله من هذا الأصل لا ينبغي له أن يتكبر ولا يتجبر، بل يتواضع لتفاهة أصله.
((يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)) [الطارق:7].
هذا الماء المهين والمني الحقير يخرج من ظهر الرجل وصدر المرأة، يلتقي في موضع يحتشم من ذكره ليكون الإنسان.
((إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ)) [الطارق:8].
إن الله على رد الإنسان حيا بعد موته للحساب لقادر، فبعد الموت حياة، وبعد البعث حساب، وبعد النشور جزاء.
((يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)) [الطارق:9].
ذاك اليوم تُختبر السرائر، ويُكشف عما في الضمائر، وتظهر المكنونات، وتبدو الخفيات، ويخرج ما أكنته النيات.
((فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ)) [الطارق:10].
فما لجاحد اليوم الآخر، وهو الكافر، من قوة تحميه، ولا ناصر ينقذه مما هو فيه، فلا دافع ولا نافع ولا شافع له.
((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)) [الطارق:11].
وأقسم قسما بالسماء ذات الغيث الذي يرجع بخارا من الأرض فتعيده السماء إلى الأرض مطرا هنيئا مباركا.
((وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ)) [الطارق:12].
وأقسم قسما بالأرض التي تتشقق بالنبات، وتتصدع لخروج جذوع الأشجار من بين طبقاتها.