تحليل ثنائية «الدين والدولة» ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية» بحضور ملك المغرب

عالم مغربي: النخب العربية استعارت نماذج أكثر عدائية لتجسيد العلاقة بين الجانبين

جانب من الدروس الرمضانية التي تلقى في القصر الملكي المغربي في الرباط بحضور الملك محمد السادس («الشرق الأوسط»)
TT

عبر سعيد شبار، وهو من علماء المغرب، عن أسفه «لأن عددا كبيرا من النخب العربية عمدوا إلى استعارة نماذج كانت أكثر عدائية وتطرفا في تجسيد العلاقة بين الدين والدولة». وقال شبار إن ذلك «أدى إلى اعتبار الباحثين أن ثنائية الدين والدولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر من الأسئلة المزيفة، التي لا تستمد إشكاليتها من الواقع».

وأضاف شبار أن سؤال هل الإسلام دين أم دولة لم يطرح قط في الفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام، وأن ما طرح في أوائل القرن الماضي طرح بمضمون لا ينتمي إلى التراث الإسلامي. وقال شبار إن مسألة الدين والدولة في السياق الإسلامي ينبغي أن تطرح من زاوية التكامل وليس من زاوية التقابل، معتبرا أن هذا الأمر يحتاج إلى إعادة بناء وتجديد على مستوى الفهم والتصور لطرفي الثنائية.

ونفى سعيد شبار الذي اختار موضوع «الدين والدولة والأمن الاجتماعي» عنوانا لدرس ألقاه في القصر الملكي في الرباط، ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية»، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس وعلماء ومفكرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، أن يكون في مجمل التاريخ الإسلامي دين متميز أو يقبل التمييز والفصل عن الدولة، كما لم تكن الدولة تقبل أن ينفصل الدين عنها. وقال شبار إن التاريخ الإسلامي لم يعرف في أي فترة من فتراته مؤسسة خاصة بالدين متميزة عن الدولة.

وأوضح سعيد شبار أن تلازم البعد الاجتماعي والإنساني مع منظومة الحقوق والحريات والمسؤوليات يشكل خطابا محوريا لرسالة الإسلام، ودعا إلى مراعاة الإصلاح والتغيير على القاعدة والعمق الشعبي وعلى الأغلبية الغالبة فيه، لأن الإصلاح الأوفر نجاحا هو الذي تلتحم فيه القمة بالقاعدة ولا تنفرد به نخبة أو طائفة.

وأبرز شبار استمرار تعقد العلاقة بين الدين والدولة في المحيط الخارجي العربي والدولي، وهيمنة الفلسفات التي لم تستوعب دور الدين في البناء الاجتماعي، فجعلته خيارا فرديا واستمرارا لتوجهات فكرية تقلل من دور الدولة في القيام بشؤون الدين والتدين وتثبيت ركائزها في المجتمع، مما كان له ولا يزال تأثير في توجيه فكر كثير من الباحثين الشباب، الذين انزلقوا إلى التقليل من شأن الدين في بناء كيان الدولة، أو التقليل من شأن الدولة في الحفاظ على التدين، من غير إدراك ووعي بفلسفة التكامل بين الكيانين، وضرورتهما للحياة والوجود البشري وللأمن الاجتماعي على الخصوص.

وانطلق شبار في درسه من قول الله تعالى «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، وقدم تحليله عبر ثلاثة محاور، حيث أكد في المحور الأول أن تلازم الدين والدولة أمر لا مناص منه، لأنه يوفر الأمن الروحي والاستقرار الاجتماعي للجماعة والدولة، ولأنه مبرر وجودي له علاقة بالخلق والفطرة والغاية في هذه الحياة. وعزا في المحور الثاني أشكال التعارض والتقابل الوهمية بين مفهومي الدين والدولة بأنها ترجع إلى قصور النظرة إليهما، من خلال تعليمات إسقاطية مقارنة تتخذ لها نموذجا تاريخيا أو حاضرا من غير الوعي بشروط ومكونات كل نموذج وبخصوصياته وسياقاته. وأبرز في المحور الثالث أن الإسلام اعتقادا وتشريعا، إيمانا وعملا، مؤسس بطبيعته للحيز المدني ومصالح المجتمع، من خلال أصوله الكلية وحفزه للعقل والاجتهاد على مراعاة هذه المصالح وتدبيرها وفق تلك الأصول الهادية والمرشدة.

يذكر أن «الدروس الرمضانية» لهذه السنة طغت على مواضيعها مواضيع ترتبط بالحراك العربي، ويشارك فيها علماء ومفكرون من مختلف دول العالم الإسلامي.