ماليزيا تبقي على 30% من السياح خلال شهر رمضان

عاملون في السياحة لـ «الشرق الأوسط»: ارتفاع نسبة سياح رمضان 50% مقارنة بالعام الماضي

المطاعم العربية في العاصمة الماليزية كوالالمبور تقدم الإفطار الرمضاني على شكل بوفيه تلبية لجميع الرغبات («الشرق الأوسط»)
TT

قدر عاملون في مجال السياحة بماليزيا لـ«الشرق الأوسط» ارتفاع عدد السياح الخليجيين والعرب في شهر رمضان لهذا العام بنسبة 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي، عازين ذلك إلى جملة أسباب أبرزها حلول الشهر الكريم في منتصف الموسم السياحي إلى جانب المشاكل التي تعاني منها بعض الدول العربية والتي سحبت البساط السياحي من تحتها، وارتفاع حرارة الأجواء في غالبية الدول الخليجية والعربية، فضلا عن كون جميع المأكولات المعروضة حلالا.

يأتي ذلك في وقت كشفت فيه الدكتورة إن جي ين ين وزيرة السياحة الماليزية، عن أنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، استقبلت ماليزيا 16.329 سائح من السعودية والإمارات وإيران، مقابل 15.008 سائح في الفترة نفسها من عام 2010.

ونقلت وكالة الأنباء الماليزية (برناما) عن الوزيرة تكثيف هيئة السياحة الماليزية حملة تسويق طوال شهر رمضان، لافتة إلى أن كوالالمبور تحتضن ما يربو على 66 بازارا لمختلف المستهلكين.

من الميدان، يصدح صوت تلاوة للقرآن الكريم في مختلف أرجاء العاصمة الماليزية كوالالمبور، وذلك قبيل أذاني المغرب والفجر، ويتوزع الباعة في بازارات متعددة التصميم والجودة والأسعار أيضا، كما يغلب الطابع الروحاني على غالبية المطاعم التي تتنافس في جذب الصائمين من السكان المحليين أو المقيمين أو السياح، الذين غادر غالبيتهم قبيل ابتداء شهر رمضان، فيما تبقى آخرون ناسبتهم الأجواء الماليزية في المكوث وقضاء أيام من الشهر الكريم ممزوجة بطعم الإجازة الدينية.

يشير الدكتور سامي العبد الرحمن وهو مستشار نفسي بمستشفى حكومي في السعودية إلى الأجواء الرمضانية في ماليزيا خلال العام الماضي بأنها أكثر روحانية من العام الحالي، ويقول «كان شارع (العرب) والعروض الرمضانية في الشارع نفسه أفضل بشكل عام، كما أن العرب أنفسهم كانوا أكثر وجودا وحضورا في تجولهم في البازارات الرمضانية قبل الإفطار».

يضيف «صمت رمضانين في ماليزيا ولا أجد أي عائق في الصيام بماليزيا.. الأجواء الرمضانية في المطاعم تتضح بجلاء، حتى في مطاعم الوجبات السريعة يبهرني مظهر الماليزيين المسلمين في جلوسهم إبان وجبة الإفطار قبل الأذان، خصوصا عندما يدعون أحد الأطفال يتلو الدعاء المخصص وقت الأذان».

إلى جانب ذلك، يعكس وجود البازارات العديدة التي لا تخلو منها شوارع كوالالمبور الرئيسية والأسواق الكبرى أجواء إسلامية تتيح فرصة للسياح للتجول وعدم الشعور بغرابة المكان.

يستطرد الدكتور السعودي «نشارك الماليزيين الأجواء وربما ليس الطعام، وهناك عدد واسع من العرب يطلبون الطعام العربي فقط ويرفضون المجازفة بوجبة الإفطار التي تأتي عادة بعد صوم طويل يقارب 14 ساعة».

في غضون ذلك، أنهى الشاب العراقي حسنين الخفاجي، وهو صاحب مطعم «بابل» الواقع في قلب شارع العرب «بوكيت بنتناق»، الإعداد لجميع تجهيزات بوفيه الإفطار اليومي الذي يقدمه المطعم لزبائنه الصائمين.

يقول الخفاجي (25 عاما) لـ«الشرق الأوسط»: «تبلغ نسبة ارتفاع عدد السياح العرب الباقين بعد بداية رمضان نحو 50 في المائة عن رمضان الماضي»، عازيا سبب الارتفاع في نسبة السياحة بشكل عام وفي رمضان بشكل خاص هذا العام إلى تأزم أوضاع العالم العربي.

ويضيف «على الرغم من مغادرة ما يقارب 70 في المائة من سياح الموسم الحالي وبقي 30 في المائة، فإنهم يظلون أعلى نسبة من سياح العام الماضي الذين غادر 90 في المائة منهم مع بداية رمضان».

ويلفت إلى أن رمضان الحالي بدأ في منتصف الموسم السياحي، «وفضل عدد واسع من عملائنا أو زبائن المطعم المترددين المكوث وممارسة الأجواء الروحانية في ماليزيا بشكل عام وفي كوالالمبور بشكل خاص».

ويتساءل الشاب بلهجة عراقية أصيلة «الدولة إسلامية، وأكلهم حلال، والجو ممطر، ماذا يمنع المسلمين من الصيام هنا؟!».

حسنين الخفاجي أكد أن السائح العربي يعتبر مكسبا لأي متجر في ماليزيا، لأنه سائح لفترة ليست طويلة المدى ويعني هذا أن ميزانيته مخصصة لوقت محدود، قوة الشراء لديه أقوى من نظيره الأوروبي أو الأميركي، التي تمتد بدورها أوقات إجازاتهم إلى سنة ونصف السنة قاطعين مسافات واسعة ودولا مختلفة.

وحول الأطعمة التي توفرها المطاعم العربية في ماليزيا، رصدت «الشرق الأوسط» في جولة قبيل أذان المغرب في أحد أيام رمضان تقديم غالبية المطاعم العربية والإيرانية والمغاربية «بوفيه إفطار»، وتتراوح أسعار رمضان بين 15 و40 دولارا، ولم تقتصر المطاعم العربية في شارع «العرب» فقط على تقديم ذلك، بل بعض المطاعم العربية الأخرى الكائنة في الفنادق والمجمعات التجارية أيضا.

وانطلاقا من تجربته للصيام للسنة الثانية على التوالي في ماليزيا، يقول الدكتور سامي العبد الرحمن «نفتقد إلى الأكل، رغم وجود المطاعم العربية، لكنها تقدم وجبات عالية السعر منخفضة الجودة، والكمية أيضا لا تناسب السعر المدفوع، كما أن الطعم يختلف تماما».

في المقابل يقول حسنين الخفاجي «كل مطعم له أسعاره وطريقته في دمجها بالأسعار الإضافية، وفي حال قرأ العميل السعر ورضي به فهو مسؤول عن دفع القيمة مقابل الطعام المقدم له، والجميع يسعى لتقديم الأفضل».

ويستطرد «بدورنا، نقدم بوفيه مفتوحا وهو خيار جيد يلبي جميع الطلبات بمختلف العادات العربية التي نحرص على توفير غالبيتها في المطعم، وبسعر معقول ومنافس، وهذا ما يحرص عليه أي مطعم هنا».

ويشمل البوفيه لدى غالبية المطاعم العربية في كوالالمبور الوجبات والطلبات الرئيسية لدى الأقطار العربية كالحساء والكباب والأرز مع اللحم أو الدجاج، إلى جانب السمبوسة والفطائر والمعجنات والإيدامات، فضلا عن شراب اللبن الذي يفتقده عشاقه في ماليزيا نظرا لقلة الأماكن التي تقدمه أو لارتفاع سعره.

إلى ذلك، فرغ ثلاثة شبان سعوديون قدموا للسياحة قبل رمضان، وشهدوا بضعة أيام منه، ونقلوا إلى «الشرق الأوسط» مفارقات وملاحظات تصدرتها الصدمة الحضارية التي منوا بها – على حد قولهم - إذ لم يتوقعوا إطلاقا أن تكون العاصمة كوالالمبور «بهذا القدر من التطور، والعمران، والفعاليات المتتالية طيلة وجودنا»، هكذا بدأ الشاب جعفر الرمل وهو مبتعث سعودي يدرس إدارة الأعمال في كندا.

وأضاف الرمل (20 عاما) «في كندا الأجواء الرمضانية أصعب، رغم وجود جاليات عربية أكثر من الموجودة في ماليزيا، والأكل الحلال أيضا والعربي بالتحديد غير متوافر بنفس الكثرة في ماليزيا».

واتفق الشبان على أن الصيام في ماليزيا لا يعوقه شيء أبدا، رغم وجود بعض الفتن كالطعام الصيني المعروض في الشارع، أو المطاعم والحانات الأوروبية التي تقدم الطعام لغير المسلمين وقت الصيام، «لكنها بشكل عام مقبولة لنا كمسلمين»، كما أشار صديقه بديع المرزوق وهو شاب سعودي يدرس الطب في جامعة الدمام، الذي لفت أيضا إلى توقعه في البداية أن يجد ماليزيا طبيعة خلابة ومناظر جميلة «كما يعكس لنا أصدقاؤنا ممن زاروا البلاد، صحيح لم تتح الفرصة لي بالتصفح واستعراض الصور على الإنترنت حيث كانت الرحلة وقرارها سريعا جدا»، يضيف المرزوق (21 عاما) «لكننا وجدنا العمائر والإسمنت والحضارة، تجولنا في معظم العاصمة عبر الحافلة التي تجوب كوالالمبور كاملة واطلعنا على ماضيها وحاضرها، حتما البلاد تستحق الزيارة مرة أخرى، ولفترة أطول.. سأعيد الزيارة وسأحرص على اصطحاب العائلة معي، فالرحلة كانت موفقة بكل المعايير».

غير أن عدنان الرمل العضو الثالث في مجموعة السياحة الصغيرة التي قدمت من السعودية بسرعة هائلة كما وصفوا لـ«الشرق الأوسط»، لم يركز كثيرا إلا على الطبيعة، وصب كل اهتمامه بهطول الأمطار في الرابع من رمضان، إذ لفت إلى أن رمضان والصيام مع المطر «يعد سيمفونية روحانية بالنسبة إلى شخص قدم من منطقة حارة وساخنة الأجواء، سأعيد الكرة إن شاء الله عندما أحتفل بزواجي وسأقضي شهر العسل مرة أخرى».