الهند تقدم ثقافة نادرة يصوم ويزكي فيها غير المسلمين في رمضان المبارك

الهندوس يؤدون الزكاة في الشهر الفضيل لنيل البركة من الله

TT

على الرغم من ارتباط شهر رمضان المبارك ارتباطا وثيقا بالإسلام دون غيره من الأديان، فإن الهند تقدم ثقافة نادرة يكون فيها غير المسلمين أيضا جزءا لا يتجزأ من هذا الشهر الكريم.

ولا يقتصر الأمر على الكثير من الهندوس الذين يواصلون الصيام خلال هذا الشهر، ولكن يؤدي آخرون فريضة الزكاة حتى ينالوا البركة من الله سبحانه وتعالى، وهناك الكثير من غير المسلمين الذين يساعدون زملاءهم المسلمين في العمل ويقدمون لهم الطعام.

عاشت شرادا كابور طفولتها في الكويت منذ أن كان والدها يعمل دبلوماسيا في البعثة الهندية هناك. وبفضل نشأتها مع أصدقائها المسلمين، فقد فهمت كابور شهر رمضان فهما روحيا بغض النظر عن انتمائها الديني المختلف، فبدأت تداوم على الصوم، وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وكان ذلك في بادئ الأمر بهدف معرفة مدى قدرتها وصبرها على العيش من دون ماء وغذاء، وإظهار التضامن مع صديقاتها المسلمات، وعلى الرغم من أنها الآن في الثامنة والعشرين من عمرها، فإنها ما زالت تحافظ على هذه العادة وتصوم شهر رمضان سنويا.

وعلى الرغم من هذا، تؤدي كابور الصلوات وفقا للديانة الهندوسية، وتقول إنها تشعر بأنها قريبة من الله وترى أنه لا يميز بين مخلوقاته على أساس الدين، ولكن على أساس أعمالهم الإنسانية.

وتقول كابور: «أستيقظ في الساعة الثانية والنصف لكي أتناول الطعام وأؤدي الصلوات وفقا للديانة الهندوسية، وأظل من دون طعام أو شراب إلى أن أتناول الإفطار في المساء. وطوال شهر رمضان، أحاول البقاء بعيدا عن الشؤون الدنيوية، وأدفع ثلث راتبي كزكاة إلى دار للأيتام، وأكون على اتصال كبير بالله وأشعر بالنقاء والتقوى».

وفي مزار أجمير شريف الإسلامي، يحافظ الكثير من الهندوس على الصوم، ويعد فيجاي كواسيا، شاب هندوسي يبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما، خير مثال على مثل هذا الوئام بين الأديان، حيث يقوم بصوم شهر رمضان لهذا العام.

وقبل أربع سنوات، أخبر الأطباء فيجاي أنه سيفقد بصره، ثم لجأ إلى مزار أجمير شريف ويعتقد أن الصلاة في المزار والاستعانة بالولي الصوفي الموجود في الضريح، خواجا شيشتي، قد حفظه من العمى. ومنذ ذلك الحين، بدأ فيجاي في المحافظة على الصيام.

وقال فيجاي: «إنها قوة خواجا الروحية التي ساعدتني على استعادة بصري. لقد كان رحيما بي من دون صوم، فماذا قد يمنحني إذا ما بدأت في الصوم. وكل هذا يعطيني الكثير من الارتياح والرضا الروحي».

ومن الجدير بالذكر أن الكثير من العائلات الهندوسية تقوم بتوزيع حلويات رمضان التقليدية في وقت الإفطار.

وقال ناجمول حسن تشيشتي، وهو خادم في مزار أجمير شريف: «يصوم الهندوس بسبب حبهم للولي المسلم، ونأمل أن يستجيب خواجا لصلواتهم ويبين لهم الطريق الحقيقي للإنسانية. إن خدمة الناس هي الطريق الوحيد لكي يصبح التفاهم المتبادل أقوى. إننا نتضرع إلى الله أن تساعد هذه الأخوة في إيقاف التفجيرات والمؤامرات الإرهابية التي تهدد بلدنا».

وتتطلع نامراتا كابور، وهي خريجة جامعية في قسم الإدارة، إلى الصوم في شهر رمضان، وتعتقد أن إطعام الشخص الصائم يعتبر عملا خيريا، وتقول: «أرى السعادة والابتسامة على وجوه الناس خلال شهر رمضان ويبدو الجميع وكأنهم في حالة بحث عن السعادة الروحية، ويرى البعض أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال إطعام الجياع، في حين يرى آخرون أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال التأمل، وترى فرقة ثالثة أن ذلك يكمن في الصلاة».

وفي أسرة فيرليكار، تقوم سنيها (43 عاما) بإعداد الطعام حتى تأخذه ابنتها كروتيكا فيرليكار (22 عاما) معها إلى العمل كي تقدمه لزميلتها المسلمة التي تصوم في شهر رمضان المبارك.

وقد تعلمت فيرليكار، التي تعمل في شركة للاتصالات، الكثير عن الإسلام بفضل تقاسم الطعام مع صديقاتها المسلمات على مائدة الإفطار في رمضان، وقالت: «إننا نتحدث عن مواضيع مختلفة أثناء تناول الطعام معا. لقد شرحوا لي مفهوم الزكاة التي من المفترض أن تُدفع من دخل الفرد، كما قمنا بمناقشة طرق عمل الوصفات الغذائية التقليدية».

وقالت صديقتها المسلمة فارهين دالواي: «لا يمكننا العودة إلى ديارنا لتناول الإفطار، لأننا نعمل في ساعات متأخرة من الليل وفي نوبات عمل مختلفة، ولذلك يساعدنا بعض الأصدقاء من خلال طهي الطعام لنا في المنزل، ويكون هناك الكثير من التنوع على مائدة الطعام، بما في ذلك شرائح الدجاج والفواكه».

وقامت أوجوالا شارما (29 عاما) بتحضير أطباق غير نباتية لصديقها المسلم مورتازا يوسيفي خلال اليومين الماضيين. ومن الغريب أن أوجوالا نباتية ولكنها تقوم بإعداد طعام غير نباتي وترى أن ذلك سيكون شيئا رائعا لأنها سوف ترسم البسمة على وجه شخص جائع طوال اليوم. ويعيش يوسيفي، وهو عراقي الجنسية، في الهند منذ ما يزيد على سبع سنوات، وكان يدرس في البداية في مدينة بوني الهندية ويعمل الآن مع أوجوالا في شركة اتصالات.

وقالت أوجوالا: «بمجرد أن يبدأ شهر رمضان، أحمل الطعام ليوسيفي لأنه ليست له عائلة هنا، وفي بعض الأحيان لا يكون قادرا على تناول الإفطار بسبب مواعيد العمل، ولذا أنتظر حتى ينتهي ونأكل معا. إن مشاركة كل منا في ثقافة الآخر قد نجحت في إزالة الحواجز الثقافية بيننا».

وبحلول شهر رمضان المعظم، يتم تعيين المئات بل والآلاف من العمال غير المسلمين من أجزاء مختلفة من البلاد لمدة شهر، للعمل في الفنادق والمحلات والمساجد وغيرها من الأماكن مقابل الحصول على أجر يومي.

وفي مدينة حيدر آباد وحدها، تم تعيين نحو 30000 عامل خلال العام الحالي للعمل في المطاعم خلال شهر رمضان الكريم. وفي حين يجد معظم العمال وظائف في مئات المنافذ التي تقدم أطباقا لذيذة تسمى «أطباق حليم»، والمنتشرة في جميع الشوارع والتقاطعات المزدحمة خلال شهر رمضان، يعمل آخرون في وظائف أخرى مثل بيع الأشياء على الرصيف.

وقال ماجد الذي يعمل في مطعم «بيستا هاوس»: «نقوم بتعيين عشرات العمال، الذين يأتي غالبيتهم من الشمال، للعمل في المنافذ التي تقدم أطباق حليم. ونفضل تعيين الأجانب لأنهم يعملون بجد واجتهاد، ومن الغريب أن بعضهم محترفون في إعداد الأطعمة المشهورة في حيدر آباد. إن البقشيش الذي يحصلون عليه يفوق الراتب الذي ندفعه لهم».