رمضان.. يجمع شمل المصريين بعدما فرقتهم السياسة

لافتات الاحتفال به غطت لافتات الانتخابات الرئاسية

في القاهرة والأقاليم عمت فرحة رمضان، حيث اكتست الشوارع والحواري بحلة من الزينة والفوانيس («الشرق الأوسط»)
TT

لم يكترث المصريون بتقلبات السياسة، ولا بالأوضاع الاقتصادية المتردية، واحتفلوا كعادتهم بشهر رمضان الكريم، وطقوسه التي تهل كل عام. وتنوعت الاحتفالات ما بين تعليق الزينات الرمضانية والفوانيس على أبواب البيوت ونوافذ الشرفات، وتوزيع الإمساكيات الرمضانية، وتبادل التهاني بقدوم شهر الصيام، والإسراع بشراء السلع والمستلزمات التي تخص الشهر الفضيل من الياميش والتمر والعصائر، والزيت والسكر والأرز، وغيرها، حيث يعد أول يوم إفطار عيدا خاصا للكثير من الأسر، يلتئم فيه شمل العائلة على مائدة الإفطار العامرة بما لذ وطاب من الطعام والشراب.

يقول علي المسيري، موظف على المعاش «أنا وزوجتي لنا أربعة أحفاد، وننتظر بشوق أول يوم رمضان، حيث تجتمع الأسرة المكونة من ولدين وزوجتيهما وابنتين وزوجيهما، في بيتي، الذي يعد بيت العائلة، ونتناول جميعا الإفطار على مائدة واحدة ونقضي وقتا طيبا، يتخلله اللعب مع الأحفاد، في جو من الحب والود والإيمان، فنحن في هذا اليوم نشعر بأننا أسرة واحدة، مهما تفرقت بنا السبل والأحوال.. هذا الشعور الطيب قلما يتوافر في مناسبات أخرى غير شهر رمضان».

وفي القاهرة والأقاليم، عمت فرحة رمضان، حيث اكتست الشوارع والحواري بحلة من الزينة والفوانيس، كما تكثفت الإضاءة بشكل كرنفالي مبهج على المآذن وواجهات المساجد، وانتشرت شوادر الياميش والفوانيس في كل مكان، ونصبت موائد الرحمن على الأرصفة وفي الساحات والميادين العامة، وفي المناطق الشعبية كانت لافتة تهليلات الأطفال وهم يلعبون بفوانيسهم الجديدة ويرددون «حالو يا حالو، رمضان كريم يا حالو، حِل الكيس وادينا بقشيش، لنروح ما نجيش يا حالو».

ويعتز المصريون بأن أجواء رمضان في بلادهم ليس لها مثيل في أي مكان في العالم. فعلى الرغم من حالة الاضطرابات التي تعيشها مصر على الصعيدين السياسي والاقتصادي فإن المصريين يأبون أن تعكر الهموم السياسية والاقتصادية على الأجواء الرمضانية، فمنذ نحو تسعة عشر شهرا والمصريون يبيتون ويفيقون على أحداث وتطورات سياسية متسارعة تلهث في ملاحقتها الأنفاس، وبعد أن أجهدتهم طوابير الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أصبح رمضان هذا العام بمثابة هدنة، أو استراحة محارب من هموم السياسة، مع أن الساحة السياسة في مصر لا تزال مشتعلة بالتكهنات خاصة حول تشكيل حكومة جديدة واستمرار عمل حكومة الدكتور كمال الجنزوري لتسيير الأعمال، واستمرار حالة عدم الاستقرار على الساحة السياسية لأكثر من عام ونصف العام منذ اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، إلا أن الطقوس المصرية الخاصة بالاحتفال بالشهر الكريم لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر.

وخلال الأيام القليلة الماضية تبدلت أحوال الشوارع التي كانت مكسوة من أولها لآخرها بلوحات الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة والبرلمان، وأيضا لوحات خاصة بتيارات سياسية ودينية، لتحل محلها صور دعائية لمسلسلات رمضان والبرامج الحوارية والدينية والعروض على المستلزمات الرمضانية، وبمقارنة حال الشوارع بما كان موجودا منذ شهر واحد فقد يشعر المرء بأنه داخل بلد آخر، فالأول كان يبيت ويفيق على مشاغل سياسية ويسمع فيه صوت المظاهرات والاحتجاجات، والثاني مزين بحلة رمضان المضيئة بفوانيسه، ويسمع فيها صوت المطرب الراحل محمد عبد المطلب يغني «رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه.. أهلا رمضان».

وعلى عكس ما هو متوقع من أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وضعف القوى الشرائية لدى المصريين مع استمرار حالة الركود على الساحة الاقتصادية، سيضعفان من إقبال المصريين على شراء مستلزمات رمضان من سلع تموينية وغذائية وحلويات، فإن الأسواق لم تهدأ بعد من إقبال المصريين عليها. وتقول سلوى حسين، ربة منزل في منتصف العقد الخامس من عمرها «إنه على الرغم من الأوضاع المالية الخانقة التي تعيشها معظم الأسر في مصر فإنه لا يمكن أن يمر رمضان من دون إقامة العزائم للعائلة والأصدقاء».

ويعد شهر رمضان هو الموسم الأشد كثافة لزيارة المصريين المغتربين لوطنهم، فيقول أحمد صفوت، مهندس مصري يعيش بالإمارات العربية المتحدة «لا يمكن أن يمر علي عام من دون أن أزور مصر في رمضان، حتى ولو لأيام قليلة، ليس فقط لزيارة أهلي وأصدقائي، وإنما لأنني لا يمكن أن أشعر بأجواء شهر رمضان إلا في مصر». ويضيف صفوت بصوت يملؤه الرضا «رمضان لا يمكن أن يمر علي دون زيارة الأحياء المصرية القديمة مثل الأزهر والحسين، والصلاة في مسجد عمرو بن العاص، والجلوس على المقاهي التاريخية مثل الفيشاوي، وولي النعم، وزينب خاتون، وأيضا لا يمكن أن أفوت الذهاب إلى إحدى الخيام الرمضانية».

وتجذب الأجواء الاحتفالية المتنوعة بشهر رمضان في العاصمة المصرية إليها السائحين من العالم العربي، كما ينخرط فيها الكثير من السائحين، فمصر مشهورة بالخيام الرمضانية التي تقام في الأماكن السياحية والفنادق، وتشمل حفلات إفطار غناء وتواشيح دينية وحفلات السحور. وعلى الصعيد الروحاني لشهر رمضان، يقول محمود عبد المنعم، طبيب مقيم في الولايات المتحدة «إن صلاة التراويح في مصر لها طعم آخر لا تضاهيه سوى الصلاة في الحرمين المكي والنبوي، وأيضا لا يمكن أن ننسى صدى أصوات أئمة المساجد في صلاة التهجد في سكون الليل».

وبما أن شهر رمضان يعتبر الموسم الأشد سخونة لصناع الدراما في مصر والعالم العربي، فإن الفضائيات ظلت منشغلة منذ أشهر بالإعلان عن المسلسلات التي بها أشهر نجوم السينما والدراما في مصر والعالم العربي. ويبدو أن صناع الدراما في مصر استغلوا تحول بوصلة اهتمامات المصريين بالناحية السياسة فاستعدوا لموسم رمضان بكم هائل من المسلسلات منصبة مواضيعها على الأحداث السياسية. وتقول داليا سامي، مهندسة في منتصف العشرينات من عمرها «أرى أن الزخم الدرامي الموجود محاولات من قبل نجوم الدراما لاستعادة بريق نجوميتهم، خاصة بعد أن انحسرت عنهم الأضواء لصالح نجوم السياسة خلال الفترة الماضية». وأضافت داليا سامي «أعتقد أن المسلسلات هذا العام ستجذبني إليها بقوة خاصة أن كبار النجوم مشاركون بها، إلا أن الأحداث السياسية الساخنة التي تمر بها البلاد أرى أنها ستحتل المكانة الأكبر في نسب المشاهدة».

ويجدد ليل القاهرة نفسه يوميا بحلة جديدة على مدار شهر الكريم، حاملا في طياته كل جوانب القاهرة بتناقضها، من السكينة والهدوء والصخب، فيسمع فيها صوت القرآن في صلاة التراويح، وأيضا يسمع فيها الغناء في الحفلات والسهرات الرمضانية، حيث تتنوع أوجه القاهرة للاحتفال برمضان. ولا تختفي الجوانب الثقافية من رمضان ففي كل عام تستعد دار الأوبرا المصرية ببرنامج ثقافي يتضمن مجموعة من الحفلات والأمسيات، ومن المقرر أن تقام حفلات غنائية يحييها حشد من الفنانين والفرق الموسيقية والغنائية مثل الفنان علي الحجار، وعازفة الماريمبا نسمة عبد العزيز، وفرقة «إسكندريللا»، وصابر الرباعي، وحسام صقر للإنشاد الصوفي، والتخت العربي بقيادة ياسر معوض، والتخت الشرقي مع المطربة رحاب عمر ووليد حيدر.

وأيضا المناطق التاريخية في القاهرة تحفل بالحفلات الثقافية والأمسيات الشعرية مثل محكى القلعة وبيت السحيمي، وفي حديقة الأزهر تنظم مؤسسة المورد الثقافي برنامجا غنائيا على مسرح جنينة للفنانة اللبنانية أميمة خليل. كما تنظم الهيئة العامة للكتاب معرضا خاصا للكتاب في حي فيصل الشعبي، يشارك فيه باقة من الناشرين المصريين والعرب، ويتضمن أمسيات شعرية وأدبية متنوعة.