المسلمون الهنود يجمعون في رمضان بين الإجازة والعمرة

يزداد الطلب على السياحة الدينية في الشهر الفضيل

TT

في شهر رمضان المعظم، يقوم الكثير من المسلمين الهنود بالجمع ما بين الإجازة والعمرة. فقد قام الوكيل العقاري فايز إصلاح بتعليق عدد من مشاريع البناء، وسافر إلى مكة لأداء العمرة مع زوجته ووالديه. ويعد إصلاح واحدا من آلاف المسلمين الهنود الذين يمموا وجوههم شطر مكة في شهر رمضان هذا العام.

وقال افتخار أحمد، من شركة «الخطوط الجوية السعودية»، إن «السياحة الدينية الآن لم تعد كما كانت، حيث ازداد الطلب بشدة إلى درجة أن جميع الرحلات القادمة إلى المملكة العربية السعودية محجوزة بالكامل حتى شهر أغسطس (آب) المقبل، إلا أن من يأملون في أداء العمرة مستعدون للانتظار حتى يجدوا تذكرة. وعادة ما يحرص المسلمون على أداء العمرة خلال شهر رمضان، ويبدأون في الاحتشاد في طوابير للحصول على تأشيرة أمام مكاتب شركات السياحة والخطوط الجوية فور الإعلان عن تواريخ صدور التأشيرات».

وقد أصبح من الدارج بين قطاع من المسلمين الميسورين أن يقضوا إجازاتهم في مكة والمدينة بحجة أداء العمرة، ففي حين أن الحج، وهو أحد أركان الإسلام، فريضة سنوية، فإن العمرة يمكن أداؤها على مدار العام. ويتوجه الهنود إلى هناك بأعداد كبيرة رغم الضوابط التي تفرضها الحكومة السعودية على عملية إصدار التأشيرات.

ورغم أن الكثير من أصدقاء عائلة طارق شاه، وهو مسؤول تنفيذي بإحدى الشركات، توجهوا الشهر الماضي إلى وجهات غريبة مثل بالي أو بانكوك، فقد كان شاه حريصا على الاحتفاظ بإجازاته كي يزور المشاعر المقدسة في السعودية، وخصوصا الكعبة المشرفة في مكة. ويعترف شاه قائلا: «لدي القدرة المادية على قضاء إجازتي السنوية في أي مكان تقريبا في العالم، لكنني أفضل مكة والمدينة في رمضان. بمجرد وصولي إلى هناك، سوف أغلق هاتفي الجوال، وأعزل نفسي تقريبا عن العالم، وأحاول التركيز في الصلاة والدعاء».

وقد انتهى الرجل من الإعداد لأداء العمرة خلال شهر رمضان للسنة السابعة على التوالي، وهو يقول: «يطير أصدقائي من غير المسلمين إلى ماليزيا أو سنغافورة لقضاء إجازاتهم، لكن مكة تغريني أكثر من أي مدينة أخرى، وقد ادخرت إجازاتي من أجل الذهاب إلى هناك». ويحضر شاه معه عند عودته هدايا مثل التمر وزجاجات من مياه بئر زمزم لأصدقائه، سواء المسلمون أو غير المسلمين.

وأضاف شاه وزوجته: «بعد تدبر أمر أطفالنا، فإننا نستغل مدخراتنا في أداء العمرة. وهل هناك طريقة أفضل من هذه لاستغلال النقود؟» ولكن هذا العام، إلى جانب أداء العمرة في مكة، فسوف يقومان أيضا بزيارة مدينة كربلاء في العراق.

وطبقا للتقديرات التقريبية، فهناك نحو 250 ألف مسلم من الهند يؤدون العمرة سنويا، ومعظمهم من مومباي وحيدر آباد. ومن يستفيد من هذا الولع هم العشرات من شركات السياحة التي تنظم رحلات العمرة، فقد لاحظت شركات السياحة والطيران وجود ارتفاع غير مسبوق في عدد المعتمرين هذا العام، وتجاوزت الشركات بالفعل الحد الأقصى للحجز. وتعمل شركات السياحة على تلبية جميع الاحتياجات، من حجز التذاكر إلى ترتيبات الإقامة والوجبات والانتقالات داخل المملكة العربية السعودية. ويقول عبد الكريم، من شركة «كرييتف للسياحة والسفر»، وهي واحدة من شركات السياحة الكبرى في الهند التي تنظم رحلات العمرة: «مقابل 100 ألف روبية للفرد، نقدم تذاكر طيران ذهاب وإياب من الدرجة الاقتصادية ما بين مومباي وجدة، وكذلك إقامة جيدة المستوى في مكة والمدينة، والانتقالات داخل السعودية، وجميع الوجبات، في رحلة لمدة شهر». وأضاف عبد الكريم، الذي أرسل نحو 500 معتمر خلال شهر رمضان الحالي: «الإقبال يتزايد عاما بعد عام».

إلا أن هؤلاء المعتمرين الاعتياديين يتعرضون أيضا لانتقادات من بعض علماء الدين، الذين يرون أن هذه الأموال كان من الممكن إنفاقها بصورة أفضل من أجل النهوض بالمجتمع. كما حذر العالم الجليل مولانا شعيب كوتي من أن تتحول شعيرة العمرة المقدسة إلى بدعة، حيث قال: «لا ينبغي أن تستغل العمرة كموسم للإجازات، ومن الممكن بدلا من ذلك التصدق بهذه الأموال». ويؤكد بعض العاملين في هذا المجال أن كثيرا من المسلمين يتوجهون لأداء العمرة كي يتطهروا من «خطاياهم». ويقول مستقيم مكي، وهو صاحب شركة سياحة قضى 20 عاما تقريبا في مكة قبل أن ينتقل إلى الهند منذ بضع سنوات: «أعرف الكثير من رجال العصابات السابقين وتجار السوق السوداء والمنتفعين الذين يؤدون العمرة. الله أعلم كيف تكون صحيفة ذنوبهم بعد العمرة». ويقول الدكتور الحمد لله: «إن تجربة قضاء النصف الأخير من رمضان في مكة لا يمكن نسيانها بسهولة. لقد ذهبت إلى هناك مع والدي، اللذين سبق لهما أداء الحج منذ عامين، أما أنا فهذه هي الزيارة الوحيدة التي قمت بها إلى المشاعر المقدسة حتى الآن». ونصح الدكتور الحمد لله المسلمين في جميع أنحاء العالم بأن يؤثروا الذهاب لأداء العمرة أثناء شهر رمضان، بدلا من إنفاق الأموال على الذهاب إلى الوجهات الشائعة الأخرى أثناء الإجازة.

ولكن لماذا يقبل المسلمون الهنود أفواجا على مكة خلال شهر رمضان؟ يقول العالم الكبير الشيخ مصطفى: «يخبرنا الدين أن رسول الله حينما أدى حجته الوحيدة في القرن السابع قال إنها ستكون الأخيرة له، حيث أحس بأنه لن يعود إلى مكة مرة أخرى، مما جعل بعض صحابته يشعرون بالحزن لأنهم حرموا من فرصة وبركة أداء الحج مع النبي، ولكي يخفف من حزنهم، قال النبي إن أداء العمرة في شهر رمضان تعدل كما لو أن المؤمن قد أدى الحج معه».

ويقوم عالم كبير من دلهي برحلة العمرة بهدف جمع تبرعات من أجل المدارس الدينية الكثيرة الموجودة في دلهي. ويقول الشيخ ظفر علي: «سوف أنال البركات من الله لأداء مهمة دينية وهي جمع التبرعات لجمعيتنا الخيرية، وهذه هي الزيارة الثانية بالنسبة لي. تمول الرحلة سيدة مسنة ثرية، وهي لا تستطيع القيام بالرحلة بنفسها بسبب كبر سنها».

ومع سقوط نظام صدام حسين وقرب نهاية الحرب في العراق، تقوم أعداد متزايدة من الهنود المسلمين بزيارة البلد، وبخلاف كربلاء التي استشهد فيها حفيد النبي الإمام الحسين على يد الملك الأموي يزيد الذي اشتهر بالفسق والفجور في القرن الثامن، هناك الكثير من المدن الأخرى التي يزورها المسلمون، مثل النجف وكاظمين وسامراء.

ويقول أفضل هجري، من شركة «نصير الشيعة للسفر» التي تقوم بترتيبات استخراج التأشيرات لصالح شركات السياحة: «هناك إقبال كبير على زيارة العراق»، مضيفا أنه في الوقت الحالي، تقوم القنصلية العراقية بإصدار تأشيرات جماعية لا تقل عن 10 أفراد. ويختم هجري قائلا «الكثير من العائلات لا تريد الذهاب مع آخرين. إذ تم تخفيف قاعدة الحد الأدنى البالغ 10 أفراد، فسوف يقوم المزيد من الناس بزيارة العراق».