حمامات السوق التاريخية بدمشق القديمة يقبل الشوام عليها في رمضان مع الطقس الحار

بعد غياب السياح الأجانب عنها.. وللاستمتاع بحمام رطب في عبق التاريخ وبين أروقة وزخارف العمارة التقليدية

أحد الحمامات السوق الدمشقية التاريخية وزبائنها («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد حمامات دمشق العامة التاريخية التي لم يبق منها سوى 20 حماما في شهر رمضان إقبالا متزايدا من المستحمين، وبخاصة من سكان الحارات الدمشقية القديمة، حيث ينظر إليها بوصفها مكانا للترفيه والتسلية، كما أنها إحدى نعم الدنيا، حيث المثل الشعبي الدمشقي القائل «نعيم الدنيا الحمام»، ومن المعروف أن للحمامات العامة المتبقية في دمشق مواعيد يومية في الافتتاح والإغلاق تمتد عادة من التاسعة صباحا وحتى الثانية عشرة ليلا، وتخصيص وقت للنساء يكون عادة في أيام محددة وفي فترة من الظهر وحتى العصر، ولكن قام كثير من هذه الحمامات بتغيير مواعيد استقبال المستحمين، بحيث تتناسب هذه المواعيد مع الصائمين والراغبين في ارتياد الحمامات بعد الإفطار وحتى السحور، ومنها «حمام أمونة» في منطقة العمارة بدمشق القديمة، الذي صار في الشهر الفضيل يستقبل المستحمين حتى الثالثة صباحا، وكذلك فعلت حمامات أخرى ومنها «حمام الورد» التاريخي في منطقة ساروجة، حيث تظل أبوابه مفتوحة لما بعد منتصف الليل، وقد تستمر حتى موعد السحور كما يقول القائمون عليه ما دام هناك زبائن يأتون للحمام، بينما جعل مواعيد النساء يومين في الأسبوع من الساعة الثانية عشرة ظهرا وحتى الخامسة مساء.

من جهته جعل «حمام الملك الظاهر» الذي يقع في منطقة باب البريد الفترة الصباحية يوميا للنساء بينما الفترة المسائية ومن بعد الإفطار للرجال، وفي حين خصص حمام نور الدين في سوق البزورية بدمشق القديمة وقته كله للرجال فإنه يستقبل المستحمين حتى منتصف الليل والحمام، الذي كان مقصدا للسياح الغربيين بشكل خاص، حيث يقع في منطقة تاريخية غنية بالمواقع الأثرية، فإنه بات وبسبب غياب السياح الأجانب نتيجة الأحداث التي تشهدها سوريا يعتمد على المستحمين المحليين.

ويبرر أحمد صالحاني، أحد رواد «حمام نور الدين» متحدثا لـ«الشرق الأوسط» إقبال الشوام على حمامات السوق التاريخية في شهر رمضان قائلا: «على الرغم من وجود حمامات حديثة في منازلنا، ولكن أنا وكثير من زملائنا نذهب لحمام السوق خاصة في هذه الأيام الحارة، حيث يأتي الشهر الفضيل في فصل الصيف الحار»، ويضيف أحمد مبتسما: «إننا نشعر بالاسترخاء والرطوبة والبرودة في حمام السوق خاصة بعد تناول وجبة الإفطار، حيث آتي كل يومين لـ(حمام نور الدين) لأستحم وأتسلى مع زملائي، ويمكننا احتساء الشاي و(الكولا) وغيرها من المشروبات الباردة والساخنة ونحن نجلس في القسم البراني من الحمام على المصاطب الحجرية مستمتعين بمنظر نافورة البحرة التي تتوسط بهو الحمام وكذلك بعمارته الجميلة وزخارفه المميزة والرسومات الجدارية التي تزين زواياه وسقفه وقبته الجميلة المزودة بالقماري التي تجعل ضوء النهار ينبثق لداخل الحمام ونوافذه التي يزينها الزجاج المعشق التراثي الملون، فنشعر أننا خارج الوقت منذ دخولنا الحمام.. نعيش أجواء تاريخية متميزة وكأننا نستحم في عبق التاريخ».

في «حمام الشيخ رسلان» الذي يقع في منطقة باب توما ويعود بناؤه لأكثر من 800 سنة ويتوضع على مساحة نحو 700 متر مربع يقول القائمون عليه لـ«الشرق الأوسط» إن الإقبال في رمضان يزداد من قبل الدمشقيين، وخصوصا بعد الإفطار، والبعض من هؤلاء يعتبرون المجيء للحمام عادة شبه يومية رغم وجود حمامات في منازلهم، لأنهم يجلسون أكثر من ساعتين في حمام السوق، في حين لا يمكنهم الجلوس في حمام المنزل أكثر من ربع الساعة، كما أنهم في حمام السوق يتبادلون الأحاديث مع المستحمين ويتنقلون بين أقسام الحمام، ولمجيء رمضان في فصل الصيف الحار فإن رواد حمام السوق يستفيدون من طقس الحمام البارد والرطب ويرشون على أجسادهم الماء البارد عندما يشعرون بالحر وهم داخل الحمام، حيث يمكنهم الانتقال مثلا من قسم البراني إلى الوسطاني للاستفادة من الرطوبة، كما أن الزبون يشعر بالاهتمام والتدليل منذ دخوله لحمام السوق.

ويضيف القائمون على «حمام الشيخ رسلان» أن الزبون يستقبله من الباب الخارجي الناطور الذي يقدم له الفوطة (المنشفة) ليدخل البهو، ومن ثم يدخل إلى البراني، حيث يقدم له عامل آخر الصابونة والليفة والشامبو، وبعدها يدخل للوسطاني، ومن ثم الجواني، حيث البخار، وبعدها يأتي دور المكيّس في الوسطاني ومن ثم المساج وبعدها في الجواني، وهنا يجد جرن المياه والطاسة وصنبور المياه ليستحم، وبعد ذلك يخرج للوسطاني ليأخذ مناشف جديدة ويجفف جسده، ومن ثم يعود للبراني ليجلس على المصاطب الحجرية وهو في حالة استرخاء وراحة نفسية وجسدية، ويقدم له المشروب الساخن أو البارد الذي يفضله، وقد يبقى ساعتين أو أكثر يتسلى مع زملائه أو مع الزبائن الآخرين في تبادل الأحاديث والقصص، إذ يتحول الحمام في بهوه إلى مقهى شعبي مع مشاهدة المسلسلات الرمضانية على القنوات الفضائية حيث توجد التلفزيونات في بهو الحمامات أو سماع أصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح فخري تصدح بين أروقة الحمام.

تقليد آخر في حمامات السوق وخصوصا في أيام الشهر الفضيل وهو وجود الحلاقين في الحمام، وبعض من هذه الحمامات مثل «نور الدين» و«الشيخ رسلان» وغيرهما خصص أحد جوانب مدخل الحمام كصالون حلاقة، حيث يدخل الزبون للصالون ليقوم الحلاق بقص شعر رأسه أو حلاقة لحيته ليدخل بعدها أقسام الحمام، ويشعر الزبون بشعور خاص تتناغم فيه النظافة الشخصية مع الأناقة والترتيب والذوق، فهو حلق شعره واستحم في طقس تاريخي جميل وكأنه في ليلة عرسه. وهناك تقليد تراثي أيضا يحرص القائمون على حمامات السوق التاريخية على وجودها وهي تقديم «القبقاب» للزبون لينتقل به بين أقسام الحمام وهو يصدر أصواته المميزة.