«العم صلاح»: فوانيس رمضان الصينية أغلقت بيوت الكثيرين

أحد صناعها في القاهرة يواصل تصميماته لها بالنار وأدوات اللحام

العم صلاح يصنع أحد الفوانيس الرمضانية ذات الاحجام والانواع المختلفة («الشرق الأوسط»)
TT

في معقل صناعة فوانيس رمضان بالقاهرة، وتحديدا في منطقة باب الخلق، يجلس العم صلاح أبو العدب (63 عاما) أمام النار بأدوات اللحام يشكل الفانوس بأنواعه وأحجامه المختلفة، لا يعبأ بحرارة الجو المرتفعة ولا حرارة النار الملتهبة التي يجلس أمامها منذ خمسين عاما، مرددا: «أكل العيش ميعرفش راحة.. وكله تعب».

يقول العم صلاح: «ورثت مهنة صناعة الفوانيس الصاج عن والدي الحاج فهمي أبو العدب، وحاليا الورشة الوحيدة الخاصة بتصنيع فوانيس رمضان في باب الخلق هي هذه الورشة، التي يساعدني فيها زميل لي اسمه عصام، حيث نصنع كل احتياجات السوق ومتطلبات محال بيع الفوانيس بمعظم مناطق القاهرة».

يعود الرجل بذاكرته إلى الوراء ليقول: «صناعة الفوانيس في الماضي كان لها طقوسها وجمالها، وكذلك رواجها من حيث انتشار الفانوس الصاج بألوانه البيضاء والأصفر النحاسي، فكان لا ينافسه منتج آخر سواء الفوانيس الصينية أو البلاستيكية، وكانت الأسعار في متناول الجميع، وكل بيت في مصر كان به فانوس أو اثنان أو ثلاثة بأحجام مختلفة، وكذلك الشوارع والحواري والمحال التجارية التي تتزين بأنوار الفوانيس المختلفة، وهي عادة ورثها المصريون جيلا بعد جيل منذ عهد الفاطميين، ولكن الآن كل شيء تغير، فأسعار المواد الخام التي تدخل في صناعة الفانوس زادت مما أدى إلى ارتفاع سعره، كما أن الفانوس الصيني سحب الزبائن منا وجذب الأطفال وهو ما تسبب في غلق بيوت صناع كثيرين». ويؤكد على كلامه بالإشارة إلى أن أحفاده رفضوا فوانيس شمعة صغيرة من صنعه، وأصروا على شراء الفانوس الصيني بسبب ما يصدره من أصوات وغناء.

يبين العم صلاح أن الفانوس على الرغم من أن بيعه موسمي فقط، لكن العمل في تصنيعه يستمر طوال العام، يقول: «صناعة الفانوس بأحجامه وأشكاله المختلفة مستمرة طوال العام حتى قبل رؤية هلال رمضان بيوم واحد، حيث نأخذ إجازة لمدة أسبوع أو عشرة أيام من الشهر الكريم، ثم نعود بعد ذلك ابتداء من 10 رمضان موسم الشغل الجديد، حتى نبدأ عرض المنتجات الجديدة من فانوس رمضان ابتداء من النصف الثاني من شهر رجب وحتى آخر شعبان».

ويبدأ موسم التصنيع بحسب صانع الفوانيس بشراء الصاج، وهو من بقايا فضلات تصنيع علب المسلى والجبن، والقصدير المستخدم في اللحام والذي ارتفع ثمنه في السنوات الثلاث الأخيرة خمسة أضعاف، وهناك الألفونية، وهي بودرة بيضاء لتطهير مادة اللحام وقد ارتفع ثمنها أيضا خلال نفس المدة من 5 جنيهات إلى 30 جنيها. وعبر مراحل ثلاث يتم تقطيع الصاج بمقاسات معينة وكذلك الزجاج، ثم طباعة الزجاج بألوان مبهجة حمراء وصفراء وزرقاء وبرتقالية وخضراء، يتخللها نقوش من آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى ورسوم للكعبة ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبة الصخرة ومسجد السيدة زينب والقلعة ومئذنة مسجد الحسين.

تصنع ورشة العم صلاح ما يقرب من خمسة آلاف فانوس في العام الواحد، بأحجام وأشكال مختلفة، بداية من الحجم الصغير المعروف بـ«فانوس شمعة» وسعره 5 جنيهات، وانتهاء بالفانوس الكبير الذي يوضع في بهو الفنادق والشركات والمحال التجارية الكبرى ويتراوح سعره بين 3 و4 آلاف جنيه مصري، وبين هذين النوعين توجد أنواع أخرى مثل فانوس «شويبس» وارتفاعه 50 سم، وفانوس «بولات» وهو فانوس كبير يتدلى منه 5 فوانيس صغيرة الحجم، ويوجد كذلك فانوس «برميل»، وفانوس «برج»، وفانوس «شق البطيخ»، وفانوس «تاج الملك»، وفانوس «النجمة» وهو أقدم أنواع الفوانيس على الإطلاق ويرجع تاريخ الموديل الخاص به إلى عصر الفاطميين، وجميع تلك الفوانيس يتراوح سعرها بين 20 و200 جنيه، وكلما زاد الحجم والارتفاع زاد ثمن الفانوس، كما أن جميع هذه الفوانيس تضاء بالكهرباء ولم يعد هناك حاجة لوضع الشموع بها.

زبائن العم صلاح نوعان، وعنهم يقول: «أبيع الفوانيس جملة لبائعي الفوانيس في المحال الكبيرة، وقطاعي للناس العاديين وغالبيتهم من الفقراء ومتوسطي الحال الذين يقبلون على شراء الفانوس رخيص الثمن ما بين 10 و30 جنيها، ويمثل الأغنياء 10 في المائة فقط من الزبائن حيث يقبلون على شراء الفوانيس التي تبدأ أسعارها من 150 جنيها فأكثر».

من بين ذكريات العم صلاح صانع الفوانيس، قيام الفنان الراحل فريد شوقي بالاستعانة به وبعدد من أصحاب الحرف اليدوية بالمنطقة التي تجسد الواقع بمصر في فيلم «البؤساء» عام 1978.