وزير الأوقاف المصري الأسبق تحدث في «الدروس الرمضانية» عن أهمية الحوار لعلاج المشكلات

الأحمدي أبو النور انتقد نظرية صامويل هنتنغتون حول صراع الحضارات من منظور إسلامي

محمد الأحمدي أبو النور
TT

أوضح محمد الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف المصري الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، أن في الحوار علاجا للخلاف في الأسرة والمجتمع، مشيرا إلى أن الحوار يحيط الأسرة والمجتمع بسياج الوحدة كأساس للقوة والتقدم وكقاعدة للإبداع والابتكار، وزاد قائلا: في الحوار علاج للمشكلات الإنسانية على الصعيد الدولي بعيدا عن المواجهات والصراعات.

واعتبر أبو النور أن الحوار يؤثر حين يقوم على العلم والحكمة، والحسن المذاب في أدبيات الخطاب، امتثالا لقوله تعالى «وقولوا للناس حسنا»، وحين يتغيا المحاور طريق الهدى والحق والحرية والعدالة الاجتماعية والسلام بين الإخوة من البشر في أنحاء المعمورة.

وتناول أبو النور في درسه الذي كان بعنوان «من أخلاقيات الحوار مع الآخر» الذي ألقاه في القصر الملكي بالرباط ضمن سلسلة الدروس الرمضانية التي يحضرها العاهل المغربي الملك محمد السادس وعلماء من جميع أرجاء العالم الإسلامي، معاني الحوار في اللغة ثم التطبيق، مبرزا إمكانية تفسير المحاورة بالمخاطبة والمخاصمة والمجادلة، ليبين أنه ما دام الحوار يقوم على المراجعة، فالشأن في المحاور أن يراجع قلبه وعقله قبل أن يطرح ما يريد أن يطرحه أو قبل أن يحكم على طرح محاوره، كما أن الشأن في المحاور أن يراجع ذاكرته العلمية أثناء الحوار، وأن تكون له مرجعية موثقة، ولهذا ينبغي أن يدقق في من يختار للحوار بحيث يكون موائما لما يفوض في الحوار فيه كالمعلم والفقيه والمفتي والقاضي والسفير والمفاوض وغيرهم. وقد انطلق أبو النور في ذلك، من قول الله تعالى: «وقولوا للناس حسنا».

وانتقد أبو النور ما جاء به صامويل هنتنغتون ومؤيدوه، أن يكون ما يميز البشر كشعوب وقبائل هو التصارع والتنازع وإعادة بناء النظام العالمي الجديد، مفندا ذلك بآيات تظهر أن الله جعل البشر شعوبا وقبائل تتمايز بالتعددية للتلاقي والتعارف والتفاعل الحضاري وللتبادل الصناعي والزراعي والمعرفي والتقني، وموضحا على خلاف ذلك، أن الله عز وجل خلق البشر من نفس واحدة هي آدم و«أننا بهذا كنا نوعا واحدا ليسهل التآلف بيننا»، وهو الأمر الذي تأكد بخلق الله زوج آدم من نوعه لينسجما وتكون بينهما المودة والرحمة، مؤكدا على أن التعارف ينبغي أن يتم في إطار القرابة والرحم.

وأبرز أبو النور، بعد ذكره لعدد من الملتقيات الدولية للحوار وما تم الالتزام به في إطار مقرراتها من مبادئ، أن صوت العقل والحكمة يتكاثر العاملون على إسماعه والتأثير به في المجتمع الدولي شيئا فشيئا، ويؤازر الكثيرون من المسلمين هذه الفكرة وتلك المؤتمرات، على أن يتم بذلك التضييق على تجار الحروب وصناع الصراع.

وبخصوص أخلاقيات الحوار، أوضح أن يحب المحاور للمحاور ما يحب لنفسه سواء في ذاته أو في من له به صلة، والصدى البالغ لحسن خلق المحاور ونبل سلوكه عند المحاور، وعدم ادخار وسع في استخدام الوسائل المختلفة مع المحاور في إطار ما يشير إليه المنهج القرآني «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».

كما أضاف أبو النور، أن من هذه الأخلاقيات، الرفق بالمحاور والاصطبار عليه، والنأي عن التعسف معه وتأسيس الحوار على المنطق العقلي الذي يستقوي بالدليل النقلي، والانطلاق في الحوار على أساس التآخي الإنساني والرحم الواصلة والجوامع الإيمانية والقيم الحضارية المشتركة، واحترام المحاور وإحسان الاستماع إليه، والحرص الرحيم على هداية المحاور بتكرار الموعظة الحوارية معه إذا لم يستجب بادئ الرأي، وحسن استخدام المفاجأة للمحاور، والاقتدار على التحليل النفسي للمحاور وحسن التأتي به من الشك إلى اليقين، وحسن التأتي إليه في الإجابة بما ينأى به عن أن يكون في صدره حرج من الإجابة، فضلا عن الاهتمام بما ييسر ولا يعسر وبما يبشر ولا ينفر، وألا تكون عواطف المحاور نحو الآخر مؤسسة على إسلام الآخر أو قبوله ما يعرض عليه.

وتوقف أبو النور، في سياق حديثه عن النماذج الحوارية، مطولا عند حوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي وأخته سفانة، حين خطر لعدي، بعد أن ذاق حلاوة الإيمان وعرف أن من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، أن يطمئن على والده الذي كان بعيد المدى، في الجود والندى، فحاور النبي صلى الله عليه وسلم في أدب جم واحتشام بالغ، فأجابه رسول الله بحكمة بالغة، فلم يعد صلى الله عليه وسلم حقيقة، ولم يجرح شعورا، ليوضح المحاضر أن الرائع في هذا الحوار أن عديا لم يعلق كما أنه لم يرجئ ما اعتزم أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه.

وتساءل أبو النور حول «ماذا يكون السلوك الحضاري مع المسيحي أو اليهودي الذي لم نعرض عليه الإسلام من مثل الزميل في الدراسة، أو الجار في السكن أو الشريك في التجارة، أو الصاحب في السفر...» مشيرا إلى أنه «لا ينبغي أن تكون المعاملة لهؤلاء مثل معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لسفير قيصر من باب أولى، وألا تقل إن لم تكن تزيد».

واستطرد أنه إذا كان الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام يعطي وصف الأخوة بين المنتسبين إليه سواء أكانوا متفقين في الاعتقاد أم مختلفين، فإن الانتساب إلى آدم أبي البشر يعطي كل المنتسبين إليه وصف الأخوة الإنسانية، وهو أمر، يقول أبو النور: «يوجب على البشر أن يكون حوارهم معا من هذا المنطلق الأخوي والإنساني، وهو أمر في غاية الأهمية سيما في علاج المشكلات الأسرية والمجتمعية والدولية من جهة، وفي القضاء على نزعات الاستعلاء من جهة ثانية، وفي استلال دوافع الكراهية والتعصب للرأي من جهة ثالثة».