المسلمون مدعوون لإنهاء الإسراف وإقلال الفائض من الطعام خلال رمضان المبارك

في إطار الالتزام بالمعاني والفضائل السامية للشهر الفضيل

تمتلئ المائدة الرمضانية عادة بمختلف الأطعمة خلافا لما هو مفروض أن يكون عليه الحال في هذا الشهر («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تعاني فيه الملايين حول العالم من الجوع والعطش والحاجة الشديدة إلى كسرة خبز أو شربة ماء، نجد أنه لا يزال الإسراف والفائض والفاقد من الطعام في شهر رمضان مستمرا سنويا، والذي يتنافى مع المعاني والفضائل السامية لهذا الشهر الكريم، والمتمثلة في التقرب إلى الله والتراحم والتواصل والمحبة والتكافل والعطاء والتعاون والزهد وترشيد الاستهلاك والإنفاق، كما يتسبب هذا الإنفاق والإسراف والفاقد المتزايد في المزيد من المخاطر والكوارث على البيئة.

ليس هذا فحسب، بل أيضا استغلال بعض ضعاف النفوس فرصة هذا الشهر، لاحتكار بعض السلع وطرحها بأضعاف أسعارها، لتحقيق أرباح طائلة غير مبررة، وكذلك بيع سلع كاسدة قد تكون صلاحيتها على وشك الانتهاء.

ما زال هناك في مجتمعاتنا العربية، وبخاصة في شهر رمضان، إسراف مبالغ فيه في المشتريات من المواد الغذائية واستهلاك غير عقلاني في الأطعمة، الذي يكلف كثيرا من الأسر مبالغ طائلة ومتزايدة عما تصرفه في الأشهر العادية، وتشكل كميات الطعام الزائدة عن الحد والفائضة والفاقدة إهدارا اقتصاديا متزايدا، وبخاصة مع الأزمة الاقتصادية العالمية المتفاقمة.

الإسراف في الطعام من المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا العربية، خصوصا في شهر رمضان؛ حيث تتفنن الأسرة العربية في إعداد وابتكار كثير من أصناف الأطعمة والحلوى والمشروبات، وتكون النتيجة، وجود فوائض وبواق كثيرة من الأطعمة، تؤول في النهاية إلى صناديق القمامة.

مشكلة الإسراف والتبذير في الأطعمة وما ينتج عنها من فوائض وبواق كثيرة، وبخاصة عن البوفيهات المفتوحة في الفنادق في شهر رمضان، التي تشكل نسبة فاقد كبيرة، ترجع لكثير من الأسباب، التي من بينها سوء التخطيط الذي تعانيه كثير من الأسر العربية، وسوء تقديرها للكميات المناسبة لأفراد الأسرة أو للضيوف، عند إعداد الولائم؛ حيث يقوم الأفراد بملء أطباقهم بكميات كبيرة من مختلف أصناف الأطعمة ظانين أنهم قادرون على أكل جميعها، ولكن للأسف تكون النهاية بقاء كميات كبيرة منها في الأطباق يكون مصيرها صناديق القمامة.

لقد نهى الإسلام عن الإسراف والتبذير، ودعا إلى الترشيد في الإنفاق والاستهلاك، قال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (سورة الأعراف: آية 31)، وقال تعالى: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا» (سورة الإسراء: آية 26 - 27).

علينا أن نتذكر عند تناولنا الطعام وممارساتنا لأساليب وأنماط حياتنا المرفهة، أن هناك الملايين من الجوعى والعطشى من الأفراد والأطفال حول العالم، في حاجة ماسة إلى لقيمات صغيرة تسد رمقهم ورشفات من الماء تروي ظمأهم.

لقد أصبحت هناك ضرورة عاجلة أن نقدم باستمرار لجميع أفراد المجتمع دروسا في التربية والتوعية الاستهلاكية وآداب الطعام والشراب التي تقتضي عدم ملء المعدة بالطعام وترك ثلث للشراب وثلث للنفس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» (رواه الترمذي وحسنه).

وكذلك دروس في حسن إدارة الطعام، مثل التخطيط في شراء المستلزمات الغذائية، وتقدير الكميات المناسبة عند إعداد الأطعمة سواء للأسرة أو للضيوف، وكذلك كيفية تجنب الإهدار في بواقي الطعام، ومن دون إلقائها كمخلفات في صناديق القمامة، وذلك من خلال كيفية المحافظة عليها بصورة جيدة وتخزينها في الثلاجة لاستغلالها، وتجميع الأطعمة الجيدة السليمة لا الفضلات، في أكياس وعلب بلاستيكية وإعادة تغليفها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والتدوير الجيد لفضلات ومخلفات الأطعمة.

ولن يتأتى كل هذا إلا من خلال برامج تربوية وحملات إعلامية جادة وفعالة، تركز على المعاني السامية الكثيرة لشهر رمضان، وتقضي على التصرفات والسلوكيات غير العقلانية المبالغ فيها في الشراء والإنفاق من قبل كثير من الأفراد، واستثمار الأموال في مشاريع خيرية تنهض بالفقراء والمحتاجين وتسهم في القضاء على الجوع وتعضد وتقوي التكافل والتضامن والتماسك الاجتماعي وحل مشكلات المجتمع، حتى تصبح الأمة بحق مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.