مفتي تونس يشدد على «رابطة الأخوة» الإسلامية لأنها تبطل عصبيات النسب

تحدث في «درس رمضاني» حول مزايا الثبات على الإيمان بالتقوى

الشيخ عثمان بطيخ مفتي الجمهورية التونسية أثناء إلقائه درسه الرمضاني بالقصر الملكي في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

تناول الشيخ عثمان بطيخ، مفتي الجمهورية التونسية، ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية»، التي تلقى بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس، تفسير قول الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، مشيرا إلى أنه اختار هاتين الآيتين من سورة آل عمران التي تسمى بـ«الزهراء» لما بينهما من ترابط، حيث أكد أن سبب تسميتها بآل عمران هو ذكر فضائل آل عمران بن ماتان أبو مريم العذراء، موضحا أن آل عمران هم قوم من المؤمنين اصطفاهم الله وفضلهم، كما تسمى أيضا بالأمان والكنز والمجادلة والاستغفار، وهي أوصاف وردت في السورة، وأسماء ذكرها الألوسي ونقلها عنه المفسرون.

وأوضح الشيخ بطيخ أثناء تفسيره للآيتين، أن قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» يعني أن يبذل الوسع والجهد بالتمسك بتقوى الله التي هي اتباع أوامره واجتناب نواهيه بصدق وعزيمة وإخلاص وتوكل على الله، فيكون العون منه ويبلغ المرء بنيته ما لا يبلغه بعمله. مضيفا أن «التقاة» اسم مصدر اتقى وأصله وقية ثم وقاة ثم أبدلت الواو تاء تبعا لإبدالها في الافتعال إبدالا قصدوا منه الإدغام.

وبخصوص قوله تعالى: «فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، قال الشيخ بطيخ: إن نظير ذلك في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 132)، وهو نهي من الله تعالى بأن يموت الإنسان على حالة من الكفر أو الشك أو الردة بل على المرء أن يثبت في حياته على دينه وعلى عقيدته التي هي الإسلام، وأن لا يفارق الجماعة إلى آخر خلجة من خلجات نفسه لأن الحذر واجب والمؤمن بين الخوف والرجاء وأن الساعة غير معلومة وأن لا يغتر لا بالصحة ولا بالشباب.

وزاد موضحا، أن الثبات على الإيمان يكون بالتقوى وهي المحافظة على القيام بما افترضه الله علينا واجتناب ما نهانا عنه مع شرط الإخلاص والتوكل على الله، فذلك الذي يقوي إيمان المؤمن ويقيه من ارتكاب الخطايا وولوج أبواب المحرمات، مذكرا بأن الإيمان يزيد وينقص حسب عقيدة أهل السنة.

كما بين عند انتقاله للآية الثانية (من «واعتصموا بحبل الله» إلى «لعلكم تهتدون»)، أن الله تعالى أمر الذين آمنوا بالتقى ونهيهم عن ترك الإسلام والموت على غيره، وثنى المولى ببيان ما فيه صلاح أمرهم في دنياهم بالاجتماع على هذا الدين وعدم التفرق وفي ذلك اكتساب قوة ونماء. مبرزا أن الاعتصام من العصمة وهي المنعة? وأن الحبل لفظ مشترك وأصله السبب الموصل إلى الحاجة وهو تمثيل والقرينة إضافة الحبل إلى الله? وأوضح أن قوله تعالى «ولا تفرقوا» تأكيد لما تضمنه قوله «واعتصموا بحبل الله جميعا»، وهو دليل على طلب الاتحاد في الدين? مشيرا إلى أن الاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف في العقيدة وفي أمهات المسائل التي تعترض المسلمين? أما الاختلاف في فروع الشريعة فهو خارج عن هذا السياق وليس فيه دليل على تحريمه وإنما هو يرجع إلى الاختلاف في الاجتهاد في فهم النصوص. وأضاف أن قول تعالى «فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» يدل على أن المعاملات الحسنة الجارية بين المسلمين بعد الإسلام حصلت بفضل الله وهو الذي خلق ذلك في قلوبهم وفي ذلك رد على المعتزلة القائلين بأن الإنسان خالق لأفعاله.

وعزا الشيخ بطيخ الحكمة في أن جعل الله تعالى الرابطة الجامعة بين المسلمين هي رابطة الأخوة إلى كونها أقوى الروابط من غيرها، وهي رابطة وثيقة بين المسلمين أينما كانوا من الأقطار وأبطلت عصبيات النسب والحلف وهو ما تسنى للمسلمين التعارف والتناصح والتعاون والتواصل عبر التاريخ، وهو ما امتاز به الإسلام عن سائر الديانات? وبهذه الأخوة استطاع الإسلام أن يجمع بين أمم وأجناس ولغات مختلفة في أمة واحدة.