المسلمون الهنود يمنحون تبرعاتهم إلى المؤسسات التعليمية المفتقرة إلى الموارد المالية

يزداد حجم التبرعات في شهر رمضان المبارك

المسلمون الهنود أصحاب المحلات التجارية أكثر الجهات المتبرعة للمؤسسات التعليمية التي تحتاج إلى المساعدة المالية لأداء دورها التربوي والتعليمي («الشرق الأوسط»)
TT

لقد أدخل شهر رمضان المعظم البهجة على الكثير من المدارس التي تفتقر إلى الموارد المالية الكافية في الهند، مع اتجاه المسلمين لمنح تبرعاتهم، التي تأتي غالبيتها في صورة زكاة، لهذه المؤسسات التعليمية.

في الهند، حيث تعيش غالبية من المسلمين في حالة من الفقر، ينتظر الفقراء بشغف أموال الخير الإلزامية المرتبطة بشهر رمضان، الزكاة. من المثير للعجب أنه يتم التبرع بالجزء الأكبر من أموال الزكاة في الهند للمدارس الإسلامية التقليدية. والسواد الأعظم من هذه المدارس يقدم تعليما مجانيا ووحدات سكنية للأطفال المسلمين الفقراء، الذين تم إرسال كثير منهم إلى هناك لتلقي التعليم الذي لم يكن في مقدورهم الحصول عليه باستخدام أي وسيلة أخرى.

وكشف بحث قدمه الدكتور رحمة الله، رئيس قسم اقتصاديات العمل بجامعة مومباي (عام 2005) في ندوة وطنية عن الزكاة أن 62 في المائة من ميزانية المدارس يتم تمويلها من خلال أموال الزكاة. وبحسب بحثه، «هناك 300 منطقة في الهند تقيم بها نسبة 84 في المائة من المسلمين. وبافتراض أن عدد المدارس الصغيرة والكبيرة 1000 مدرسة، فربما يبلغ إجمالي عدد المدارس 300,000 مدرسة». وعلى هذا الأساس، يشير التقرير إلى أن إجمالي مبلغ الزكاة الذي حصلته المدارس يقدر بنحو 70,471,500,000 روبية هندية (1,601,625,000 دولار أميركي). وبينما لدى بعض المدارس الكبرى مثل الجامعة النظامية التي يعود إنشاؤها إلى 150 عاما مضت مرافق تساعد في صيانتها، أشار باحثون ومواطنون عاديون إلى أن ما يربو على 80 في المائة من المدارس تعتمد فقط على العطايا (أو التبرعات). وهذه المدارس لا تملك أي أصول مستقلة بها، إذ إنها ترى أن من واجب المجتمع الإسلامي المساهمة في صيانتها. واعتمادا على عدد الطلاب، تتلقى كل مدرسة تبرعات تتراوح قيمتها ما بين 5 آلاف و100 ألف روبية شهريا، ومع ذلك، فإن حجم التبرعات يزداد في رمضان. ومن المثير للعجب أن مسؤولي المدرسة يشيرون إلى أن الجزء الأكبر من التبرعات التي يتم تلقيها في صورة زكاة تأتي من الطبقة المتوسطة لا من طبقة الأثرياء خلال شهر رمضان. يقول مولانا مقصود يماني من مجلس المدارس الدينية: «يقدم أفراد من الطبقة المتوسطة تبرعات سخية على عكس رجال الأعمال الكبار. إن تبرعا بمبلغ 10 روبيات فقط يصنع فارقا بالنسبة لهذه المدارس». ويضيف مولانا يماني أن هذا هو مكافئ الزكاة السائدة في العصور القديمة، حينما اعتاد الناس التبرع إما بحفنة من الأرز أو بأي حبوب أخرى للمدارس. وقال مولانا جعفر باشا من كلية دار العلوم بالجامعة الإسلامية في شيفرامبالي: «ما زال هذا النظام قائما، لكن شكل التبرعات قد تغير».

ويبدي مديرو المدارس أسفهم على أن الإمداد بالمأكل والملبس والسكن والرعاية الطبية يكلف نفقات طائلة وأن وجود المدارس يعتمد على شبكة من المتبرعين.

وقال راشد نسيم الندوي، مدير إحدى المدارس وأستاذ مشارك بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية: «غالبية طلاب المدارس فقراء، ويتعين على المدارس تقديم معونات لهم. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة ثلاث وجبات بسيطة يوميا لمدرسة تضم 100 طالب 100 ألف روبية شهريا».

«هناك مدرستان فكريتان فيما يتعلق بالتعامل مع التبرعات. إحداهما تؤيد طلب التبرعات بشكل مسبق، فيما تحبذ الأخرى زيارة المتبرعين للمدرسة أولا للتحقق من حالة البنية التحتية والتعليم والطلاب قبل تقديم التبرعات»، هذا ما قاله، مضيفا أن بعض المدارس تعين بعض الأفراد في قسم مستقل بذاته خاص بجمع التبرعات.

وعلى الرغم من أن الزكاة يمكن أن تمنح على مدار العام، فإن السواد الأعظم من المسلمين يخرجونها في شهر رمضان انطلاقا من اعتقادهم أن كل عمل طيب يقومون به في هذا الشهر من المفترض أن يجلب لهم بركات لا حصر لها. ومن ثم، فمع حلول شهر رمضان من كل عام، تبعث المدارس ممثليها إلى المدن الكبرى لتحصيل الزكاة.

يعمل الكثير من محصلي أموال الزكاة بتفويض. ويجوبون المدينة حاملين أسماء وعناوين الأفراد. وهؤلاء الذين يخرجون الزكاة ليس لديهم متسع من الوقت للتحقق من هوية المحصلين.

وقال مسؤولون في مجلس المدارس الدينية إنه يجب وضع قواعد صارمة لجعل عمليات منح التبرعات تتسم بالشفافية.

يقول رجل الدين البارز الشيخ شويت كوتي: «كثير من هؤلاء الذين يقومون بتحصيل الزكاة يكونون متسولين محترفين. لا أحد يتحقق مما إذا كانت هذه المدارس موجودة في الواقع أم على الورق فقط». بالنظر إلى حالة الفقر العامة التي يعاني منها المسلمون، فقد يكون من الصحيح القول إن أموال الزكاة لا تذهب لمستحقيها.

ويتمثل أحدث مثال على ذلك في عارف رضا، ممثل إحدى المدارس في ولاية بيهار شرقي الهند. وقد تصدر عناوين الصحف عندما هاجمه مجرمان في مومباي وسرقا منه مبلغ 45 ألف روبية واحتجزوه في إحدى الغرف. حاول رضا الهرب من النافذة، ولكنه حل نزيلا في مستشفى سيون بعد إصابته بكسر في العمود الفقري.

ويعتبر رضا واحدا من آلاف من محصلي الزكاة الذين يحطون بمومباي في شهر رمضان. وتحمل طريقة حديث رضا عن تحصيل أموال الزكاة وعدم اهتمامه بالحفاظ عليها دلالات كثيرة على الثغرات الخطيرة في عملية تحصيل الزكاة.

ويبدو هؤلاء الذين قد درسوا نظام تحصيل الزكاة وتوزيعها مذعورين من تبديد الأموال التي يتم تحصيلها التي يمكن أن تمول آلافا من أنظمة الرفاهية في المجتمع الإسلامي.

عادة ما تتقرب المجموعة نفسها من الأفراد والمدارس إلى الأثرياء لتلقي الزكاة. وهذا يحرم من يستحقون أموال الزكاة بحق من الحصول عليها. يقول الشيخ برهان الدين قاسمي، مدير مؤسسة «مركز المعارف» الثقافية الاجتماعية: «نظريا، من يحصل على الزكاة مرة واحدة يجب أن يكون قادرا على منح الزكاة في العام المقبل. ولسوء الحظ، لا يحدث هذا».

قال الشيخ كوتي: «في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على تبرعات، يجب أن ترسل المدارس أوراق تسجيل».

«علاوة على ذلك، فإن عضوين من الأسرة نفسها لا يجوز أن يكونا ضمن مجلس إدارتها إذا ما كانت المدرسة مسجلة ضمن جمعية»، هذا ما قاله الشيخ كوتي.

تتساءل الباحثة الإسلامية زينات شوكت علي قائلا: «إذا كان بيننا هذا العدد الهائل من الفقراء، فأين تذهب الأموال؟». ويضيف: «إذا كانت أموال الزكاة توزع بشكل جيد، فيمكن أن تستخدم في الارتقاء بمستوى التعليم في المجتمع. وسيكون هذا متاحا عندما يقوم المسلمون بمركزة عملية تحصيل الزكاة».

كان الدكتور رحمة الله، الاقتصادي ومؤسس مجلس الارتقاء بعموم مسلمي الهند، يهدف لمنع التلاعب في هذه الفريضة الإلهية، التي تعتبر أحد أركان الإسلام الخمسة، ومن ثم، اقترح إنشاء بيت الزكاة لجعل عملية تحصيل الزكاة مركزية وذلك قبل بضعة أعوام. وفي عام 2009، عقد مؤتمر الزكاة لعموم الهند الذي استمر لمدة يومين في دار الحج. وعلى الرغم من ذلك، فإن جهوده قد قوبلت بمعارضة شديدة من قبل رجال الدين.

وحتى رد الفعل من قبل المسلمين الأثرياء لم يكن مشجعا. غير أن الجهود لم تتوقف. يتحدث الدكتور باتانكار آسفا قائلا: «تخلى عني هؤلاء الذين وعدوا بدعمي. هناك عدم أمانة في إنشاء بيت المال». ويشرح رحمة الله قائلا: «هؤلاء الذين يمنحون ملايين الروبيات كزكاة أنشأوا قنوات خاصة بهم لتوزيعها». ويشير رحمة الله إلى أنهم «يشعرون بالسعادة عندما يصطف مجموعة من الجوعى المعدمين أمام منازلهم المؤلفة من طابق واحد في انتظار الحصول على أموال الزكاة». ومع ذلك، فإن مؤسسة زكاة الهندية الكائنة في دلهي قد نجحت بشكل جزئي في تلك المحاولة. تقوم مؤسسة الزكاة الهندية، التي تأسست في عام 1998، بتحصيل ملايين الروبيات وتدير أكثر من أربعة وعشرين مؤسسة، من بينها دور أيتام ومراكز لرعاية الأرامل. وتقوم باختيار خريجين نابغين من المسلمين وتمول عملية تدريبهم للنهوض بخدمات المدنية (تلقى الدكتور شاه فيصل قبل بضعة أعوام تدريبا من قبل مؤسسة الزكاة الهندية).

ويقول ظفار محمود رئيس مؤسسة الزكاة الهندية: «الارتقاء بالمجتمع وتمكين أفراده يعتبر جزءا من أهدافنا. نحن نستغل المال بحكمة». ويعتبر نجاح مؤسسة الزكاة الهندية استثناء في دولة يساء فيها استغلال قدر كبير من أموال الزكاة. إضافة إلى ذلك، فإن المسلمين يدافعون عن حقهم في أموال الزكاة لتمويل التعليم العلماني.

يحظى عمل بناء شهير يدعى غياث الدين بابوخان، بالتقدير لريادته مفهوم مركزية تحصيل الزكاة واستغلالها في تعليم الأطفال الأقل ثراء في المجتمع. وبدأ صندوق حيدر آباد للزكاة وأموال الخير، بتمويل منه في عام 1992 بأموال زكاة تبلغ قيمتها 1.1 مليون روبية فقط - معظمها في صورة تبرعات من أسرته وأصدقائه. واليوم، مع المساهمة الحكومية، وصل حجم التبرعات إلى 700 مليون روبية.

لعلك تتساءل: أين يذهب كل هذا الكم من المال؟ لتعليم نحو 40 ألف فتى وفتاة يقل دخل أسرهم عن 6 آلاف روبية شهريا. إن الفرصة هي ما يحتاجه أي شخص لتحويل الأحلام إلى حقيقة. سيبدأ الفتيان والفتيات المسلمون الذين لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية صفحة جديدة نظرا لأن أموال الزكاة يتم توجيهها على النحو الملائم.

استغل جيلاني باشا المنحة الدراسية التي قدمتها مؤسسة «الزكاة وتحصيل الزكاة » «إتش زد سي تي» واجتاز اختبار الخدمات المدنية الهندية قبل عامين.

واليوم، يعمل في تشيناي كمسؤول بمصلحة الضرائب الهندية.

وأخرجت شيما أموال الزكاة لحساب شركة متعددة الجنسيات في بانغالور بعد أن أصبحت محاسبة قانونية عبر صندوق الزكاة. وكان والدها سائق سيارة. بالمثل، شغل أفضال بياباني وظيفة أستاذ في جامعة الريادة. وكان والده قد اعتاد العمل ببيع المخلل.

وبعيدا عن المنح الدراسية، توظف «إتش زد سي تي» صندوق الزكاة في تمكين المرأة عبر تطوير المهارات وتوفير برامج الرفاهة للأرامل الشابات وتعليم أطفالهن وتزويج الفتيات اليتيمات. ومؤخرا، تولت مهمة رعاية «النابغين» في الجامعات.