شهر رمضان ودعوات متجددة بين سباقات دنيوية وأخرى إيمانية أخروية

الدراما الرمضانية فرصة للتأكيد على أخلاقيات المجتمعات المسلمة ومبادئها

في شهر رمضان تزدحم الفضائيات بالمسلسلات الدينية
TT

على الرغم من الأحداث والظروف التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، والتي أثرت بالطبع على جميع مناحي الحياة، فإن شهر رمضان الكريم له خصوصيته وقدسيته وروحانيته الاستثنائية المميزة التي تتجدد كل عام، فهو شهر القرآن والصبر والإحسان والدعاء والتوبة والرحمة والغفران والعتق من النيران؛ حيث إن شهر رمضان المبارك يجيء بعطاءات ودعوات متجددة وخيرات وبركات متزايدة، وسباقات روحانية متعددة في العبادات والخيرات والطاعات، والتي نتشوق جميعا لبلوغها وإدراكها الذي يعد نعمة عظيمة، وفي شهر رمضان، علينا عزم نية الإخلاص والصدق في الصوم والعبادة، وأن نقف مع أنفسنا وقفة تأمل ومراجعة، ونسأل أنفسنا، ماذا أعددنا، لتجديد حياتنا وتغييرها وفتح صفحة جديدة مع الله والنفس؟

أي سباق دنيوي يسبقه إعداد واستعداد مكثف لنيل مراتب وجوائز متقدمة، فما بالنا بالسباقات الأخروية الإيمانية في شهر رمضان، التي أعد الله تعالى للفائزين فيها مراتب وجوائز وفيرة مضمونة لا خسارة فيها.

وفي شهر رمضان تستعد كثير من المحال والمراكز التجارية، استعدادا مكثفا، بطرح كميات وفيرة من السلع الأساسية والرمضانية، وهناك من يستغل هذا الشهر الفضيل للتشوق في المغالاة في أسعارها، وجذب أكبر عدد من المستهلكين لشراء وتكديس كميات كبيرة منها من خلال عروض الأسعار عليها، كما تبدأ كثير من الأسر مبكرا بالإعداد والاستعداد لخوض سباقهم السنوي لشراء مستلزمات واحتياجات شهر رمضان، من خلال ميزانيات خاصة للتسوق لإعداد وصفات ومأكولات غذائية متميزة، وشراء وتكديس السلع الغذائية الأساسية والرمضانية طوال الشهر، والتي قد تتلف وترمى دون الاستفادة منها، غير آبهين بالأوضاع والأزمات الاقتصادية العالمية، وهناك من يتابع مسلسلات وأفلام وفوازير ومسابقات رمضان التي تزدحم بها فضائياتنا المتزايدة، وقد ننسى الإعداد والتشوق الحقيقي لميزانية أكبر وأهم، وهي ميزانية التشوق والاستعداد المكثف للإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة وثوابها الوفير في هذا الشهر الكريم، استعدادا ليوم الحساب العظيم الذي تشخص فيه الأبصار وتنشر وتوزع فيه صحائف الأعمال.

وبينما يستعد العباد في الشهر الفضيل، للرحمة والمغفرة، هناك استعداد آخر بشر الله تعالى به عباده الصائمين، هو استعداد الجنان وتشوقها؛ حيث تفتح أبوابها، وتغلق أبواب النار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» (رواه مسلم).

علينا ألا ينحصر اهتمامنا وتفكيرنا في الشهر الكريم في الإسراف والتسوق المتزايد في شراء السلع وتكديسها وإعداد الأطعمة، وننسى الغاية الأساسية والكبرى من الصيام، وهي التشوق لتحقيق الغاية الكبرى منه وهي التقوى، وأن نسرع ونتشوق لإعداد خطة إيمانية مكثفة لاستقبال شهر رمضان، نسير فيها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح الذين ضربوا أروع الأمثلة في حسن الصيام والقيام والإدراك الحقيقي لمغزى وأهمية شهر رمضان، الذين كانوا يدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان، وعلينا أن نتذكر دائما أننا كما استقبلنا شهر رمضان، سوف نودعه سريعا، ولا ندري هل ندرك رمضان في العام المقبل أم لا.

أن نعد قلوبنا إعدادا جيدا لهذا الشهر، قلوب صافية مخلصة لله تعالى، كريمة جوادة معطاءة باذلة للخير بكل صوره، وبخاصة خلال شهر الجود والكرم، وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يصفه ابن عباس رضي الله عنه «أجود بالخير من الريح المرسلة».

شهر رمضان فرصة للأغنياء والموسرين لاستغلاله لبذل الخير والعطاء ومساعدة الآخرين وتخفيف آلامهم وتحسين أوضاعهم، وعلينا أن نعلم ونعود أبناءنا منذ الصغر على حب الخير والإيثار والعطاء والجود وجزاء فاعليه، وبخاصة في هذا الشهر الفضيل، وفي ديننا الإسلامي الحنيف وتراثنا الحضاري العريق الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة والنماذج المشرقة التي تدعونا وتحفزنا إلى ذلك، فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» (رواه مسلم)، و«مخطومة» أي فيها خطام وهو قريب من الزمام.

علينا ألا يكون صيامنا وتشوقنا فقط للتفنن في إعداد أصناف وأكلات رمضانية، بل تشوقنا لدروس وخيرات شهر رمضان، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث»، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء».

ويجب التأكيد أيضا على أنه، نظرا لأن الدراما تحظى خلال شهر رمضان بنسبة مشاهدة عالية، فإن ذلك فرصة مهمة لأن تنطلق الدراما الرمضانية إلى عالم جديد، يدعو ويحث على قيم وفضائل ومكارم الأخلاق والدعوة إلى العمل والإنتاج واحترام الحوار والاختلاف والتصالح والنقد الهادف البناء والسلام مع النفس والآخرين، وانتقاد وإصلاح أنفسنا وعيوبنا، قبل أن ننتقد الآخرين، وضرورة أن يركز كتاب السيناريو في مضمون أعمالهم على القيم والمفاهيم والمبادئ الجديدة التي نادت وتنادي بها الثورات العربية من العدالة والإصلاح ومحاربة الفساد وغرس القيم والأخلاقيات والسلوكيات الإيجابية الصحيحة مثل النظام والنظافة والعمل بروح الجماعة والمشاركة الإيجابية الفعالة والانتماء وحب الوطن، وغيرها من قيم تساهم جميعها في النهوض والتنمية بالمجتمع والوطن.