تجمعات سودانية رمضانية في استراحات الرياض تعبر عن هوية إرث يثير الإعجاب

يتبادل خلالها السودانيون الأكلات الشعبية والمشروبات المحلية الرمضانية

جانب من تجمع سوداني في إفطار جماعي في أحد أحياء الرياض بالسعودية («الشرق الأوسط»)
TT

من بين أجمل العادات والتقاليد السودانية، والتي نقلتها معها الجالية السودانية في السعودية، إقامة الإفطار الجماعي، حيث تنفرد هذه الجالية عن غيرها من الجاليات الأخرى بكثرة التجمعات في مثل هذه المناسبات، سواء كان ذلك في منازلها الأسرية أو منازل العزاب، إذ لا يمكن أن ينتهي شهر رمضان الكريم من دون أن يقوم رب أسرة سودانية بإقامة إفطار جماعي لعدد من معارفه من السودانيين، خاصة العزاب، بجانب الجيران وأهل المنطقة الواحدة، بل حتى المارة بالشارع من السودانيين وقت الإفطار ولو لم تكن بينهم معرفة سابقة.

وفي المقابل، هناك روابط وكيانات سودانية تكونت تحت مسميات مختلفة ومناشط مختلفة، تقوم هي الأخرى بإقامة إفطار جماعي لمنتسبيها ومعارفها طوال شهر رمضان المبارك، سواء كان ذلك في الاستراحات وقصور الأفراح أو في الحدائق العامة، باعتبار أن الإفطار الجماعي في رمضان سنة سودانية يصعب التنازل أو التخلي عنها مهما كانت الظروف، فضلا عن الإفطار الجماعي الذي تقوم به السفارة السودانية في مقرها.

وقال أحمد محمد الشيخ، عضو شرفي رابطة أبناء قرية القصيرة في السودان بالسعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «يعيش السودانيون هذه الأجواء السودانية الرمضانية أينما وجدوا في السعودية بكامل طقوسها، حيث تتصدر وجبة الإفطار العديد من الأكلات السودانية الشعبية، منها (العصيدة) التي يتم تناولها بأحد الملاحات السودانية المعروفة، والتي من أشهرها ملاح «التقلية» وهي تصنع من اللحمة المفرومة والويكة والتي هي الأخرى عبارة عن مسحوق البامية أو شبيهتها الويكة، كذلك ملاح «النعيمية» والذي يصنع من «اللبن» بالمعنى السعودي و«الروب» بالمعنى السوداني، وكذلك ملاح «البامية المفروكة» وملاح «الخضرة» أو «الورق» وغيرها.

واتفق كل من عبد الرحيم محمد الأمين وبابكر يوسف مصباح من قرية القصيرة من ولاية الجزيرة في السودان، مع الشيخ في كل ما ذهب إليه من حديث، مضيفين أنه لا ينافس «العصيدة» في مائدة رمضان إلا ما يسمى بـ«القرّاصة»، وهي رقاق طازج يصنع من «عجين» دقيق القمح بعد إنضاجها على نار لاهبة، كما تحتوي وجبة الإفطار أيضا على «بليلة العدسي» والتمر.

بالإضافة إلى الأكلات الحديثة والمشروبات السودانية الرمضانية، والتي يتسيدها مشروب «الحلو مر» أو «الآبري»، و«الآبري الأبيض» «الكركدري» و«القنقليس» و«العرديب» وعصائر الليمون والبرتقال ومشكل الفواكه، كما أن هناك مشروبا ساخنا يسمى «النشا» أو «العقود» وهو عبارة عن سائل مغلي من عجين دقيق الذرة وبه بعض البهارات، أهمها «العرق الأبيض» أي «الجنزبيل» و«الكاسترد» مع شيء من السكر ومواد أخرى مغذية، وكلها أكلات ومشروبات شائعة بين السودانيين على مختلف سحناتهم وألوانهم ولهجاتهم ومناطقهم.

ولكن ينفرد مشهد الإفطار الرمضاني الجماعي في السعودية عن شبيهه في السودان، وفق علي الشريف عضو الرابطة الشرفي، بميزتين، الأولى أن بعض التجمعات في السودان تقيم إفطارها في العراء أو الشوارع الرئيسية ويتم حبس أي عابر وقتما حان الإفطار، سواء كان فردا أو جماعة ما لم يتناول الإفطار، والثانية أنه في حالة تجمعات أهل الحي في شكل مجموعات فإن كل فرد منهم يقوم بتقديم مشروبه إلى الآخر الذي بجانبه، بمعنى أنه في هذه الحالة يتم تبادل الأطعمة والمشروبات البادرة والساخنة، حيث لا شيء يفرقهم إلا الصلاة.

وكانت «الشرق الأوسط» قامت بجولة في عدد من مواقع تجمعات الجالية السودانية في العاصمة السعودية الرياض وقت الإفطار، وشاركتهم الطعام والشراب، حيث رصدت أعدادا كبيرة منهم وهم ينفرون إلى هذه التجمعات الرمضانية بكل حفاوة، ويلتزمون خلالها بالطقوس السودانية في رمضان تماما، من حيث المأكل والمشرب والحفاوة، في منظر ينم عن درجة عالية من تعزيز قيم التعاضد والتضامن والتكافل بين أبناء الجلدة الواحدة، ومن بين هذه التجمعات جمعية أبناء القصيرة وقرى الوفاق السبع في استراحة كبيرة تجمع أكثر من 100 فرد وأسرة.

من جهته، أوضح سامي بكري، أمين شؤون الخدمات الاجتماعية في الرابطة، أن هذا التجمع الرمضاني المألوف ساعدت على إقامته رابطة أبناء قرية القصيرة وقرى الوفاق في الرياض، حيث قامت بكل تجهيزات ومتطلبات الإفطار الجماعي، مبينا أنه يرسخ لعادة سودانية ضاربة في أعماق الإرث السوداني الأصيل، موضحا أن هذه الرابطة آلت على نفسها إقامة هذا الإفطار الجماعي كل يوم جمعة من كل أسبوع، مشيرا إلى أن هذا التجمع أشاع بينهم نكهة رمضان بشكل سوداني بحت، وغرس في أطفالهم روح المحبة وطعم التراحم.

أما الدكتور أسامة عبد الله، نائب رئيس مكتب الإعلام في رابطة أبناء القصيرة بالرياض، فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن أبناء القصيرة وما جاورها من قرى الوفاق السبع، والتي تشمل قرية الشريف الدسيس وقرية الدليبة وقرية سلامة وقرية الخوالدة بقسميها الشمالي والجنوبي وقرية البيارة، دأبوا على إقامة إفطار جماعي كل جمعة يقام بإحدى استراحات الرياض الكبيرة، تعزيزا وترسيخا لروح التكافل والتضامن التي ألفها الشعب السوداني على مر الشهور والعصور.

إلى ذلك، أوضح محمد عبد الحي، وهو من أبناء قرية الشريف الدسيس في ولاية الجزيرة بالسودان، ويدير أحد مكاتب الشحن الجوي والبحري الشهيرة بالرياض، أن هذه التجمعات الرمضانية تعد نموذجا بسيطا لما يقوم به السودانيون طيلة أيام شهر رمضان، كما في غيرها من مناطق ومدن السعودية الأخرى، التي تشهد تجمعات سودانية شبيهة، مشيرا إلى أنها تمثل مجالس حية لمناقشة هموم وقضايا المناطق التي ينحدرون إليها، ومن ثم ابتداع طريقة للمساهمة في دعمها ماديا ومعنويا.