رمضان زمان.. إطعام الفقراء وختم القرآن

د. نسيم أبو خضير

TT

أذكر أنني صمت في الشتاء وكنا نحتفل من أول يوم من رمضان فنجتمع مع أطفال الحارة ونغني (أهلاً رمضان) وفي أثناء الصيام نلعب (الدواحل) ويقال لها (الجلول) فإذا اقترب وقت المغرب نقف نرقب المؤذن وننظر باتجاه داره، فإذا خرج من داره صاح الجميع «طلع طلع الشيخ طلع الشيخ». وكانت المسافة من منزله والمسجد نحو 500 متر ونبقى ننتظر حتى يصل ويصعد على المئذنة ويؤذن - ولم يكن في ذلك الوقت مكبرات صوت - وكان المؤذن الحاج سليمان الحامد الصمادي، يتحرك أثناء الآذان حول المئذنة على جميع الجهات حتى ينهي الآذان وللمئذنة درج (داخلي من الحجر). فإذا أذن وقال - الله أكبر - انطلق كل واحد منا وبأقصى سرعة باتجاه منزله وهو يقول بأعلى صوته (أذن، أذن) حتى نصل المنزل.

من العادات الطيبة في ذلك الوقت أنني وإخوتي كنت قبل موعد آذان المغرب بساعة تقريباً كانت الوالدة تضع لنا الطعام في صحون ونقوم بإرساله إلى الفقراء والجيران وكانت الوالدة تقول لنا - بترجع الصحن - لا تنسى ترجع الصحن معاك.

من الأمور التي كانت تستهوينا أنه قبل آذان المغرب نضع في جيوبنا حبة (قطين) تين مجفف وكل 5 – 10 دقائق نفتحها ونظل نشم فيها. وكنا لا نأكل أو نشرب حتى يقول المؤذن «أشهد أن لا إله إلا الله».

كنا نخرج صدقة الفطر ونسميها (الفطرة) من القمح ونقوم بتوزيعها على الفقراء في العشر الأواخر من رمضان وفي إحدى المرات وضعوا أهلي (الفطرة) في (جونة) (طبق مصنوع من القش كانت النساء تعمله من عيدان القمح) فحملته وخرجت وكانت الأرض طين والمطر ينزل ولم تكن الطرق آنذاك من الإسفلت وحينما خرجت من الدار واستدرت باتجاه منزل أحد الفقراء تزحلقت ووقعت (الجونة) وصار القمح كله على الطين والماء وأخذت أصرخ (يابي يابي فطراتي) وكنت أظن أن الله لن يقبل صيامنا. وجاء رحمة الله والدي وأخذ بتهدئتي وقال: «هسع (يعني الآن) بعطيهم غيرهم» ثم هدأت.

في فترة السحور كنا نجتمع مع كل أولاد الحارة ونقوم بالسير في البلدة وننادي بأعلى أصواتنا «قوموا إلى سحوركم يا عباد الله». أذكر أيضا أن طعام الإفطار كان أكثره من مونة البيت والسحور لبنة بالزيت ومعقود عنب وتين (تطلي).

كان والدي، رحمه الله، كل عام يقوم بعمل ختمة قرآن لوالدته رحمها الله، وكان يقوم بدعوة الجيران وأصدقائه ونحن نذهب إلى المسجد لإحضار (ختمة القرآن) وهي عبارة عن أجزاء القرآن الكريم الثلاثين كل جزء منفصل عن الآخر، وعند حضور المدعوين قبل المغرب بساعة تقريباً نقوم بتوزيع الأجزاء عليهم فمنهم من يقرأ جزءاً واحداً ومنهم من يقرأ أكثر من جزء وقبيل آذان المغرب يقرأ الشيخ وكان غالباً هو الشيخ صالح الصمادي رحمه الله أو الحاج عبد الله القاسم الشطناوي ثم يدعو والحاضرون يؤمنون على دعائه ثم يقول: «أوهبتم ما قرأتم من القرآن الكريم والدعاء إلى المرحومة (يمنى)» (اسم جدتي) فيقولوا «أوهبنا». بعد ذلك الكل يبدأ القول: «مقبولة يا أبو خلف مقبولة إن شاء الله» ثم يؤتى بالطعام وهو عبارة عن مناسف لحم ورز بالجميد والسمن البلدي.

من العادات الطيبة أن أهل الحي والجيران قد يأتيهم خمس إلى ست أصناف من الطعام ومرات يكون معظم الجيران طابخين نفس الطبخة.

بعد أن بلغت سن 15 سنة تقريباً ودخلت مكبرات الصوت كنت أذهب إلى المسجد وأؤذن المغرب وبعض الأحيان لا يكون في المسجد إلا أنا لوحدي فأصلي المغرب وأرجع إلى البيت لتناول إفطاري وكنت أذهب إلى المسجد مسرعاً وأعود راكضا.

كنا إذا عرفنا عن أحد زملائنا وأقربائنا أنه مفطر في رمضان نمشي خلفه ونقول بأعلى أصواتنا: «يا مفطر رمضان الله حطوا عليه حجار الله» وكنا نختبر بعضنا بالصيام أولا بأن نطلب منه أن يضع كفه على الأرض أو يمده، ونمسك بجلد أصابعه الذي يكون في المفصل الوسط ثم نحاول الضغط على الجلد وإيقافه باتجاه استقامة الإصبع فإذا وقف الجلد قلنا إنه صائم وإلا نقول إنه مفطر. وقد كنا نتسابق في ختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك.

* مدير إذاعة القرآن الكريم الأردنية