شاشات: من القاتل؟

الصياد حكايته مزدحمة بالشخصيات التي تدخل وتخرج من دون أن ترفع الستارة كاملة عن نفسها
TT

كان ألفريد هيتشكوك يسارع في إظهار القاتل في أفلامه. الأمور واضحة لا التباس فيها ومن البداية: شابان يقتلان زميلاً لهما ويخفيان جثّته في «حبل» (1948)، رجلان يلتقيان (صدفة) في قطار وأحدهما يطلب من الآخر قتل أمّه («غريبان في القطار»، 1951)، ورجل يتلصص على الشقق المقابلة ويشهد جريمة قتل («النافذة الخلفية»، 1954). في «سايكو» (1960)، حيث يتأخر الإعلان عن القاتل الحقيقي، يبدأ بسكرتيرة تسرق الشركة التي تعمل بها. ولاحقاً في مهنته فإن «ذعر» يقدّم لنا القاتل من البداية.

التحدّي كان مزدوجاً: من ناحية تحويل دفّة الغموض من السؤال التقليدي حول «من القاتل؟»، إلى كيف سيتم اكتشاف القاتل. ومن ناحية أخرى استخدام طعم المتّهم البريء، ذاك الذي تدفعه الشبهات للهرب، لتغذية الغموض الناتج عن تغيير الطرح حول ماهية القاتل.

لكن ذلك هو عبقري سينما التشويق هيتشكوك. من القلّة بين مخرجي العالم الذي يعرف كل تفصيلة ممكنة حول كيف يقبض على المشاهد حتى ولو كشف كنه المجرم كاملاً من البداية. كيف يحوّل المشاهد إلى شريك عبر دفعه للعب دور «المبصبص» والشاهد الصامت. ما إن يصبح داخل اللعبة حتى يديره مخرج الروائع البوليسية كيفما يريد.

هذا كان صعب التكرار في السينما وهو أصعب بكثير في التلفزيون. شروط الدراما التلفزيونية تختلف. حتى وإن عمد أحد المسلسلات إلى إظهار من هو القاتل، فإن المسلسل غالباً ما ينوء تحت ثقل السؤال التالي.. «ومن سيقتل» كما أن الغموض حال كشف الهوية يتساقط. يحتاج إلى رافعات من الإسمنت ليبقى واقفاً على قدميه.

في «الصياد» لا يتهاوى التشويق لكنه لا يقع في الفترة الزمنية المحدودة للفيلم السينمائي بحيث يصبح تناوله على ثلاثين حلقة نوعا من الاستطراد والمط بصرف النظر عن نجاحه. هذه ليست مشكلته الوحيدة، بل مشكلة كل المسلسلات البوليسية والجنائية الأميركية والعربية.

ولماذا حشرت الأميركية هنا؟ هذا لأن «الصياد» متّهم بأنه مقتبس من مسلسل أميركي بعنوان «الذُهني» The Mentalist حول رجل يستطيع سبر غور الغموض واكتشاف القاتل بقدراته الذهنية مساعداً البوليس دائماً في تحرياته.

كذلك هو متّهم بالاستعارة من مسلسل أميركي آخر هو «داكستر» الذي لا يبتعد في فحواه عن المسلسل الآخر.

لكن الكاتب عمرو سمير عاطف ينفي، وهو غالباً ما لديه حجة فعلية يوظّفها في هذا النفي: المسلسلات التلفزيونية (خصوصاً البوليسية) تتلاقى حتى داخل البلد الواحد. أنظر مثلاً إلى نقاط الالتقاء بين «الصياد» و«عد تنازلي»: كلاهما يدور حول قاتل مجهول. كلاهما يدور في الظرف السياسي والاجتماعي الحالي: إرهاب، الأمن الوطني، ضبّاط في خطر، ضبّاط مشكوك بأنهم متعاونون مع القتلة إذا لم يكونوا هم القتلة.. إلخ.. كلاهما يستخدم نماذج من رجال الأمن بعضهم أفضل من بعض. هل يعني أن أحدهما أخذ من الآخر؟ لا.

ما أجدى النظر إلى الاستخدامات الموسيقية والإخراجية المشابهة لما تطوّرت إليه المسلسلات الأميركية. هناك ترجمات بصرية وإيقاعية وأجوائية أقوى بكثير من تشابه خط هنا وخط هناك.

«الصياد» (تعرضه قناة «الحياة» وتعرض معه كل إعلان مقبل حتى ولو غطّى جزءاً من الصورة، هذا لجانب التيترات الكبيرة التي تواصل المرور تحت الشاشة) فعّال في تقديم حكايته مزدحمة بالشخصيات التي تدخل وتخرج من دون أن ترفع الستارة كاملة عن نفسها. كتابة جيّدة وإخراج (من أحمد مدحت) تقني في مكانه يبقي التشويق مستمراً حتى مع التطويل الذي لا بد منه تبعاً لأن لديه، مثل كل المسلسلات، ثلاثين حلقة عليه أن يفترشها جميعاً بأحداثه.

يوسف شريف يلعب دور التحري طارق الذي يواجه رئيسه وسخرية بعض الزملاء. لديه نظرية اشتغل عليها لثلاثة شهور تتعلّق بذلك القاتل المجهول (سوف لن يخبرنا المسلسل من هو سريعاً كعادة هيتشكوك) الذي يذبح ضحاياه بيده اليسرى. مفادها أن القاتل قد يكون «الصياد» الذي قيل إنه مات مقتولاً قبل سنوات. لاستكمال بحثه يطرق باب التحري السابق سيف (يوسف شريف) الذي يرفض التعاون بادئ الأمر فقد خسر نعمة البصر خلال الخدمة ولا يود أن يعود إلى أجواء العمل. لكنه في الحلقات التالية مباشرة يصبح أحد أركان التحقيقات إلى أن يكشف المسلسل عن المفاجأة الكبرى التي لا أريد أن أذكرها حتى لا أفسد متعة اكتشافها لمن لم يشاهد كل ما مر من حلقات إلى الآن.

هناك نقطة لقاء أخرى بين «الصياد» و«العد التنازلي»: كلاهما يقومان على افتراض أن القاتل زوّر موته ولو أنه في المسلسل الثاني يكشف عن ذلك في الحلقة الأولى ذاتها.