محمد صلى الله عليه وسلم رحيماً

TT

وصفه ربه بقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، فهو رحمة للبشرية. ورد عنه أنه قال: «إنما أنا رحمة مهداة»، ورأى ولد إحدى بناته تفيض روحه، فبكى، فلما سئل عن ذلك قال: «هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». وكان رحمة على القريب والبعيد، عزيز عليه أن يدخل على الناس مشقة، فكان يخفف بالناس مراعاة لأحوالهم، وربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئلا يشق على أمه. ولما بكت أمامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها. وسجد مرة فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود، فلما سلّم اعتذر للناس وقال: «إن ابني هذا ارتحلني، فكرهت أن أرفع رأسي حتى ينزل» عن شداد بن الهاد رضي الله عنه. وقال: «من أمّ منكم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة». وقال لمعاذ لمّا طوّل بالناس: «أفتّان أنت يا معاذ؟». وقال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة». وربما ترك العمل خشية أن يفرض على الناس، وكان يتخوّل أصحابه بالموعظة.

كل ذلك رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: «والقصد القصد تبلغوا». ويقول: «بُعثت بالحنيفية السمحة»، ويقول: «خير دينكم أيسره» ويقول: «عليكم هدياً قاصداً». ويقول: «خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا». وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وأنكر على الثلاثة الذين شدّدوا على أنفسهم في العبادة، وقال: «والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكنني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني». وقصر الرباعية، وجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر، ونادى مؤذنه في المطر أن صلوا في رحالكم، وقال: «هلك المتنطعون». وقال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه». وأنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص إرهاق نفسه بالعبادة، ويقول: «إيّاكم والغلو». ويروى عنه قوله: «أمتي أمة مرحومة»، وقال: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

وهذا اليسر في حياته عليه الصلاة والسلام يوافق يسر الملة وسهولة الشريعة، وهو امتثال منه صلى الله عليه وسلم لقول ربه: «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى»، «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا»، «فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وغيرها من الآيات.

فهو صلى الله عليه وسلم سهل ميسّر رحيم في رسالته ودعوته وعبادته وصلاته وصومه وطعامه وشرابه ولباسه وحله وترحاله وأخلاقه، بل حياته مبنية على اليسر؛ لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة، فليس اليسر أصلاً إلا معه، ولا يوجد اليسر إلا في شريعته، فهو اليسر كله، وهو الرحمة والرفق بنفسه، صلى الله عليه وسلم.