مصريون يبحثون عن دفء الأسرة.. في شوارع القاهرة

وظائفهم تحرمهم من «لمّة» إفطار رمضان

وظائف تمنع أصحابها من الإفطار الرمضاني مع الأسرة («الشرق الأوسط»)
TT

لا تكتمل طقوس رمضان، إلا بلم شمل الأسرة حول مائدة إفطار واحدة، مما يضفي عبقا خاصا على الشهر الكريم، ولكن هناك من حرم من هذا العبق وأجواء الحب والألفة، هؤلاء الذين تضطرهم ظروف العمل لقضاء وقت الإفطار بعيدا عن الأسرة مثل: رجال المرور، وأئمة المساجد، وحراس الأمن، وسائقي النقل العام وقطارات المترو وشرائح من الصحافيين والإعلاميين.

وقال ناصر عبد الرازق وهو داعية في مسجد مصطفى محمود بحي المهندسين في القاهرة: «لا فصل ولا انفصام بين العمل والعبادة، ويعد وقت الإفطار نوعا من التفاني والعطاء، شريطة أن يصحبه الإخلاص الذي يعني إنكار الذات ونفع الآخرين. وهذا لا يعني إهدار حقوق الأهل، لكن يجب إحداث نوع من التوازن».

وعن تجربته الشخصية، قال: «المسجد قريب من المنزل، وفي بعض المرات أذهب إلى أسرتي قبيل العشاء، ولكن في الأغلب أظل أنظم موائد إفطار الرحمن مع الإشراف على بعض المسابقات الدينية، التي تذاع عبر إذاعة داخلية ومن يجيب عنها يحصل على جائزة، وهناك 12 جائزة يومية يسلمها للفائزين نائب رئيس مجلس إدارة المسجد والجمعية». أما حسين حارس عقار في الجيزة، فاختار حلا وسطا ليتمكن من الإفطار مع أسرته، وفي نفس الوقت لا يهمل عمله فيتناوله في غرفته بمدخل العقار، ويترك الباب مفتوحا ليرى الداخل والخارج، ملمحا إلى انه أحيانا كثيرة ما يحرم من تناول الطعام مع أسرته الصغيرة، لانشغاله في قضاء حاجيات السكان وقت الإفطار. من الفئات التي تضطر لتناول إفطارها بعيدا عن أسرتها نظار محطات وسائقو حافلات النقل العام، ويقول ج. محمد وهو ناظر محطة «أضطر إلى تناول إفطاري على مكتبي في المحطة معظم أيام الشهر الكريم، وتعودت على ذلك منذ ثلاثين عاما، في البداية كنت أشعر بالوحشة، خاصة في اليوم الأول من الشهر، الذي يجتمع فيه شمل الأسر، ولكن بمرور الوقت أصبح الأمر عاديا، واعتاد أولادي على ذلك». قابلنا أحد سائقي الحافلات ـ عصرا ـ إلا أنه كان متأففا لدرجة منعته من ذكر اسمه، واكتفى بالقول: «أيام كثيرة بيدّن المغرب وأنا في الطريق، ولما أوصل الموقف بافطر، وعموما ده مش كل يوم، حسب الوردية». محروس ـ محصل حافلة ركاب ـ لفت إلى أنه ومعظم زملائه يعملون وقت الإفطار، ولا يحصلون على أي مزايا مقابل ذلك، مبديا استياءه من عدم صرف هيئة النقل العام وجبات إفطار للعاملين فيها، مما يضطرهم إلى النزول في الشارع وتناول الإفطار على حسابهم الشخصي وقت العمل.

وأضاف: «أحيانا أعمل على خط قريب من منزلي، فأنتهز الفرصة وأتسلل للإفطار مع أولادي، وأعود سريعا، حتى لو جلست معهم 10 دقائق فقط، أفضل من تناول الإفطار في الشارع». وعلى عكس محروس لم يبد محمد عبد الحميد «أمين شرطة في مرور الجيزة، استياءه من البعد عن أسرته وقت الإفطار، ثم اكتشفنا سر رضاه عن ذلك عندما قال: «الفطار بييجي من الإدارة قبل المغرب بساعتين، والشغل بيخف لمدة تزيد على ساعتين وقت الإفطار، وبعدها أثناء انشغال الناس بمتابعة التلفزيون». ولكن الأمر لا يخلو أحيانا مما يكدره فبحسب تعبيره، اضطر لترك إفطاره ذات مرة ليحرر محضرا لوقوع تصادم أثناء صلاة المغرب بالقرب منه، أما أسعد أوقات عبد الحميد، فهي الأيام التي يعمل فيها في وردية النهار، التي تنتهي في الثالثة قبل العصر، فعندئذ يتمكن من الإفطار مع أولاده.

الصحافة مهنة البحث عن المتاعب، ومن بين هذه المتاعب البعد عن الأهل في أوقات كثيرة، ومنها وقت الإفطار، فبحسب محمد المعتصم وهو صحافي في جريدة «الدستور» اليومية، فإنه يشرف على صفحتين في الصحيفة، وتقريبا يفطر كل أيام الشهر في مقر الصحيفة، ولكن ذلك لا يضايقه على الإطلاق فـ«الإفطار وسط الزملاء يخلق حالة جميلة، وكأننا أسرة واحدة نعوض بها بعدنا عن أسرنا». وأوضح حمد راضي «معد في التلفزيون» أنه في أوقات كثيرة يضطر لتناول وجبة الإفطار في أثناء العمل، خاصة لو كان يصور حلقة لها علاقة بالمظاهر الرمضانية، مما يستوجب رصده للشارع وقت الإفطار.

وقال راضي إنه أحيانا ما يفضل تناول الإفطار في مبنى التلفزيون المصري، حتى يشعر بالجو الأسري الذي يمتاز به رمضان، لأنه لا يتمكن من الإفطار مع أهله في محافظة المنيا في أيام كثيرة، نظرا لظروف العمل.