جنون ما قبل الإفطار

سلوك يسببه التدخين والكافايين وانخفاض نسبة السكر في الدم

TT

يخيل الى من يتجول في شوارع بيروت قبيل حوالي الساعة من موعد الإفطار أن فيروس جنون ينتشر فيها ويصيب السائقين بالتوتر ويؤدي الى عدم احترام قواعد السير وعدم تحمّل السائقين الآخرين وافتعال مشاحنات لا مبرر لها إلا الاستعجال للعودة وانتظار صلاة المغرب ومن ثم الجلوس الى مائدة الإفطار. فأيام رمضان التي لا تغير كثيرا من دوام العمل في لبنان تنعكس على سلوك الصائمين بشكل أو بآخر. البعض منهم يتخذ من الصمت ملاذا ليتجنب التوتر في حين ينساق البعض الآخر الى المشاحنات الأسرية والاجتماعية والخلافات في أجواء العمل. وقد يبرر بعض ثالث عدم قيامه بالأعمال الموكلة اليهم بالشكل الكامل الى تأثير الصيام.

يقول الموظف محمد جبيلي: «إن التوتر يلازمه منذ الثامنة صباحا فيتحول الى شخص يصعب التعامل معه». ويضيف: «لا أعرف ماذا يصيبني، انه أمر خارج عن إرادتي، يضيق مزاجي وأتوتر في أغلب الأحيان ويصبح من السهل أن أصب جهم غضبي على أي كان. ويتعدى غضبي مكان عملي فما أن أنتهي من دوامي وأعود الى المنزل حيث تبدأ مشاحاناتي مع أفراد الأسرة حتى موعد الإفطار، إلا أني أستدرك الأمر من وقت الى آخر وألجم نفسي بعبارة اللهم إني صائم».

ويعتقد محمد أن سبب الحال العصبية التي تنتابه يعود الى عدم شربه القهوة والسيجارة. وهما من اركان «الطقس« اليومي الذي يتبعه صباح كل يوم وقبل ذهابه الى العمل. سلوك محمد ليس ظاهرة نادرة، إذ تشير ريما حيدر الى المشكلة ذاتها، فتقول: «أعرف أنَّ رمضان شهر الصبر والهدوء، ولكن من أين لي بهذه الصفاتِ الجميلة مع كل الضغوط التي أُعاني منها في أيام الصيام؟ فالذهاب إلى العمل أمرٌ لا مفر منه، ومعاناة الزحام في الشوارع التي يجتاحها الجميع في الموعدِ نفسه مشكلة أخرى. ثم العودة وتجهيز إفطارٍ يُرضي زوجي وأبنائي الصائمين في وقتٍ قياسي. طبعًا كل هذا يؤدي إلى إحساسي بالضغطِ العصبي أكثر من الأيام العادية، فلا أطيق أن ينتقدني زوجي بأي كلمةٍ حتى ولو كانت من بابِ المزاح. وطبعًا أصيح طوال الوقتِ بالأبناء، وبعد كل هذا لا أدري هل حصلتُ على أجر الصيام أم لا؟ ولا أدري كيف أستطيع السيطرةَ على غضبي، علما أني لا أدخن ولست مدمنة كافيين». أما سائق التاكسي، عمر الربيع، وهو على تواصل مباشر مع الصائمين، فيقول: «الناس يجن جنونهم في هذا الشهر فتراهم يتسابقون للوصول الى المنزل ولا يحملون أحدا بل يبدأون بالصراخ علينا ويطلبون منا أن نسرع فموعد الإفطار أقترب».

ويضيف «يمارس الناس هذا السلوك وهم مطمئنون إلى أن المجتمع سيتحمل سوء أخلاقهم، معتقدين أن على الآخرين تحمل طباعهم السيئة لأنهم تكرّموا علينا وصاموا».

وفي حين تشكل هذه التصرفات «الجامحة» والتي لا تتناسب ومفهوم الشهر الفضيل مصدر انتقاد لمن يقوم بها، ينبغي التوقف عند أسبابها. ويوضح أحد الأطباء معلقا على سلوكيات بعض الصائمين التي قد تتحول الى جنون ما قبل الإفطار، فيقول «ان أهم الأسباب التي تؤدي الى توتر بعض الصائمين وسرعة غضبهم هي في أغلب الأحيان الإدمان على التبغ، فأغلبهم مواظبون على التدخين يوميا، لذا عندما يأتي شهر رمضان يعانون من مشكلة نقص النيكوتين وأعراض الحرمان منه، فيشعر الصائم المدخن بتوتر أعصابه ويفقد القدرة على كبح غضبه، كما يغلب عليه الشعور بالتململ ويصاب بالصداع وما الى ذلك من الأعراض التي تختفي بعد أسبوع إن بقي ممتنعًا عن التدخين».

ويضيف: «عندما ينقطع المدمن عن التدخين لبضع ساعات يبدأ يعاني من أعراض الحرمان من النيكوتين الذي اعتادت عليه خلايا دماغه، فيشعر بالعصبية وسرعة الغضب والتململ والصداع، وضعف التركيز وانخفاض المزاج، والقلق وضعف الذاكرة، واضطراب النوم، كما أن التوقف عن شرب القهوة والمنبهات الأخرى هو سبب آخر من أسباب التوتر في شهر رمضان. فإدمان الكافايين، أي المادة المنبِّهة في القهوة والشاي، وغيرها من المواد التي تعتبر منشطة ومهدئة، والانقطاع المفاجئ عن هذه المواد يتسبب بشعور المدمن بالكسل والنعاس، فيفقد الرغبة في العمل ويصبح سيئ المزاج. وإذا طالت فترة هذا الانقطاع يصاب الصائم بالصداع».

الا أن هناك أسباباً أخرى تسبب توتر بعض الصائمين. ولها ما يبررها علميا، لعل أهمها انخفاض نسبة السكر في الدم. وقد تستوجب هذه الحالة في بعض الأحيان علاجا طبيا سريعا.

وينصح الأطباء ببعض الحلول، ومنها تخفيف تناول القهوة والشاي والمشروبات الغازية تدريجيا قبل فترة تتراوح بين ثلاثة الى خمسة أيام من بداية رمضان، لأن التوقف الفجائي عن تناول الكافايين يسبب الصداع والعصبية والارتجاج، ويمكن شرب شيء منها عند السحور، وإنما بكمية مدروسة حتى لا يعاني الصائم من أعراض الحرمان منها أثناء الصيام. ويستحسن شرب بدائل أخرى مثل الأعشاب كالزهورات أو الشاي الأخضر، أو القرفة أو اليانسون. وينصح الأطباء بعدم الإفراط في شرب القهوة والشاي خلال السهرة، لأنهما يجعلان الصائم يطرح كمية أكبر من البول مع الأملاح التي يحتاجها الجسم خلال النهار.

ويعيدنا الأطباء الى العادات النبوية الشريفة، ومنها تناول بضع حبات من التمر، لأنه مصدر عظيم للألياف والسكريات والبوتاسيوم والمغنيسيوم والى شرب عصائر الفواكه غير المحلاة وشرب اللبن الرائب (الزبادي)، خاصة عند السحور.