الأكلات الرمضانية في البلقان: عادات تعود لمئات السنين

الأخصائية الاجتماعية سمية بيغوفيتش لـ«الشرق الأوسط» : الحلوى فأل حسن

TT

تتصدر «التوبا» الأكلات المقدمة في رمضان بمنطقة البلقان، ولا يمكن أن يكون هناك إفطار بدونها في أي بيت من بيوت المسلمين. وتصنع من الطحين والحليب، وهي ثالث ما يتناوله الصائمون بعد التمر والماء. وتعتبر من المقبلات التي تؤكل مع خبز الصومون. وهي مثل التمر لا يتناوله البلقانيون سوى في رمضان. وفي هذا الشهر تتحول كثير من المطاعم وأماكن إعداد الإفطار في البلقان، إلى مطابخ شرقية اسلامية كل رمضان، بطعمها ومذاق توابلها وبهاراتها، وألوانها المختلفة وأصنافها المتعددة. ففي رمضان تبرز أكلات معينة أكثر من غيرها، ومنها أكلات رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها في كل الأوقات، وهي أكلة البيتا الشعبية. أو البورا وهي أشبه ما تكون بالسويق أو العصيدة في بعض البلدان العربية ولكنها كثيرة المياه مما يجعلها أقرب للشربة من أي شيء آخر. وهي مفيدة ولا سيما في رمضان خاصة لكبار السن ومن يشتكون من عصر الهضم أو الامساك.

ومن ذلك الشوربة (أو البورا حسب أوضاع الصائمين المختلفة) التي يبدأ بها البلقانيون إفطارهم بعد التمر الذي يطلقون عليه اسم، حرمة، وينطقونه (هرمة) بسبب عجمة اللسان. والشوربة في البلقان ثلاثة أنوع، منها شوربة الخضار، ويسمونها، فيشي غراتسكي شوربة، نسبة إلى مدينة فيشي غراد، بشرق البوسنة. أو شوربة اللحم، ويطلقون عليها اسم، تاليتشي شوربة، وشوربة البيه، ويطلقون عليها، بيغوفا شوربة، وهي أكثر أنواع الشوربة استحسانا من قبل الكثير من الضيوف والسكان المحليين، ويتم إعدادها من الدقيق ولحم الدجاج وبعض التوابل والبيض. وتتنوع السلطات بتنوع الوضع الاجتماعي، فسلطات المايونيز والخضار على سبيل المثال، قليلة الانتشار، وتكاد تقتصر على المطاعم التي يرتادها الأجانب، أما داخل المطاعم الشعبية ومنازل السكان فلا يوجد سوى نوعين من السلطات، هما سلطة الملفوف، مع قليل من الخيار والطماطم، وأحيانا بدون ذلك، وسلطة الخضار مع الجبن، حيث تقطع الطماطم والخيار والبصل والفلفل قطع صغيرة ويوضع عليها الجبن. واستخدام زيت الزيتون يكاد يكون منعدما سواء في المطاعم على اختلاف درجاتها أو المطابخ الشعبية، وذلك يعود لسببين، الأول ضيق ذات اليد وغلاء زيت الزيتون المستورد من الخارج، ايطاليا واسبانيا، والثاني غياب ذلك في الموروث الثقافي البلقاني وتحديدا في موروث الطعام، وتقاليد المطبخ المحلي. وفي السنوات الأخيرة أدخل عرب المغرب العربي إلى المنطقة سلطة جديدة هي سلطة الخس مع الطماطم والخيار والتونا، لكنها لم تنتشر بالقدر الكافي بين السكان.

ومن الأطعمة البلقانية في رمضان نجد أكلة يطلق عليها، رولوفاني تاليتشي أفريزاك، وهي قطعة لحم بقري تلف على قطع صغيرة من اللحم المجفف المنتشر بكثرة في البلقان، ثم تغمس في البيض ومن ثم الدقيق الخشن قبل نقعها في الزيت الساخن لقليها، ثم تقدم مع السبانخ والبطاطس المقلي والسلطة. ويقبل البلقانيون على الحلويات بنهم في رمضان، ويصل إلى الذروة في العيد فلا شيء يعلو على الفرح ولبس الجديد وأكل الحلويات يوم العيد في البلقان، فبعد الصلاة يتحلق الكباروالصغار على أطباق الحلوي وتكون القهوة بأنواعها على المائدة، فقبل العيد يدور همس بين النساء ماذا ستصنعين للعيد؟ سؤال كان يتردد في اللقاءات النسائية في البلقان، قبل العيد سواء في المدن أو القرى التي لها تقاليدها العريقة في صناعة حلويات العيد. والحقيقة فإن الحلوى من لوازم الحياة اليومية في البلقان، حيث يحب الناس السكر كثيرا، وهي بالتالي ليست عادة سودانية فقط.

وتنتشر محلات بيع الحلويات بكثرة في المدن البلقانية، ويمتاز الألبان أكثر من غيرهم في الصناعات التجارية للحلويات المختلفة، إذ أن معظم محلات بيع المرطبات يديرها ألبان سواء كملاك وهو ما يطغى على هذه الصنعة أو كعمال ومعدي أطباق الحلوى المختلفة. ومنذ بدية العشر الأواخر من رمضان المبارك، تحدد النسوة في البلقان احتياجاتهن من المواد الضرورية لصناعة حلوى العيد، وتتفاوت الأسر في صناعة الحلوى حسب وضعها المادي، كما يكتفي البعض بشراء الحلويات الجاهزة من المحلات الموجودة بكثرة في شوارع المدن البلقانية سواء كان أغلبية سكانها من المسلمين أو غير المسلمين. فالحلوى أحد القواسم المشتركة بين الجميع في المنطقة، وربما لهذه الأسباب وغيرها، يفقد البلقانيون أسنانهم الطبيعية بسرعة. فالسكر كما يقول البعض، يذوب بسرعة ويذوب (بتشديد الذال) بسرعة أيضا.

وقالت الاخصائية الاجتماعية سمية بيغوفيتش لـ«الشرق الأوسط» «الحلوى فأل حسن، ألا ترى أن البعض يقتسم مع زوجته ليلة الزفاف قطعة سكر أو حلوى أو ما شابه ذلك» وتابعت «الحلوى تعبير عن الفرح، ورمز له، وبعض الدراسات أثبتت أن الحلوى تدخل السعادة على النفس كالشوكولاتة»، ويبدو أن ذلك وراء وجود الشوكولاتة في أطباق الحلوى البلقانية. ولا أدري إن كان المقام يتسع للسؤال عن وجود شيء مر يتقاسمه الزوجان ليلة الزفاف لتستمر الحياة بحلها ومرها، بدل انقطاعها عند أول شعور بالمرارة سواء من الطرفين أو طرف واحد. لكن محدثتي اللبقة أشارت إلى أننا نتحدث عن العيد بدون نكد. ويستبشر باعة الحلويات بقرب قدوم العيد، وهي الفترة التي يبيعون فيها كميات أكبر من الحلوى ويسوقون ما تراكم لديهم منها في الأيام السالفة حيث يميل الكثير من المسلمين إلى تناول الحلوى التي تصنع في البيت أثناء الصيام ولكن بعضهم في نهاية رمضان يتفقون على الشراء بدل صناعة الحلوى في البيت. وقال صاحب محل ألباني لبيع الحلويات يدعى مدحت ريشاني «في العيد نستشعر رحمة الله وأن لكل مخلوق رزقه ففيه تزداد مبيعاتنا ونوفر للعائلة وللمحلات ما تجتاجه من لوازم سواء للعيد أو لوازم العمل الأخرى» وعن أسباب ميل البعض لصناعة الحلوى في البيت وآخرين لشرائها قال «هناك عدة أسباب منها، رغبة البعض في اختصار الطريق وشراء الحلويات الجاهزة بينما يرغب البعض في تناول حلوى مصنوعة في البيت، وهناك من لا يعرف طرق صناعة بعض الأطباق فيقوم بشرائها ولكل شخص أسبابه».

وقالت عزرا اسماعيلوفيتش «لا يمكن أن يكون هناك عيد فطر بدون حلوى، ولا يمكن أن يكون هناك عيد أضحى بدون لحم، لذلك نمازح بعضنا فنسمي عيد الفطر بالعيد الحلو، وعيد الأضحى بالعيد الدسم». وعما إذا كانت تفضل شراء الحلوى أو صناعتها في البيت قالت «لا شيء يعلو على ما يصنع في البيت لا سيما الحلوى، فأنا أشتري جميع لوازم إعداد الأطباق قبل العيد ببضعة أيام وليلة العيد نسهر لاعداد تلك الأطباق التي تقدم في الصباح وطيلة أيام العيد الثلاثة وحتى بعد ذلك». ومن الحلويات التي تصنع في البلقان، نجد عدة أصناف، إلى جانب البقلاوة، نذكر منها على سبيل المثال، بادام تورتة، وتتكون من الشوكولاتة والبيض والكاكاو والحليب والسكر والدقيق. بوهيم تورتة، وتتكون من البيض والسكر واللوز والدقيق والزبدة والمكسرات والليمون ورغوة الشلاغ البيضاء. وشوكولاتة تورته، وهي من البيض والزبدة والشوكولاتة والكاكاو والدقيق والسكر. وديكورا تيفا تورتة، وهي من البيض والسكر والكاكاو والخل والدقيق والزبدة واللوز والشوكولاتة والمكسرات والسيروب والقهوة. وهناك ديابيتيك تورتة، وتتكون من الديابيتيك، والسكر والخل والبيض والدقيق. ونجد من الأنوع الاخرى، دوبوتش تورتة، وتتكون من البيض والسكر والزبدة والفانيليا ورغوة الشلاغ والشوكولاتة والدقيق. كما هنالك ارليكير تورتة، وهي من البيض والزبدة وارليكير والشلاغ والشوكولاتة والدقيق والسكر. وتضاف لبعض الانواع من التورتة المربى. وهناك من يبتكر وصفات جديدة للتورتة سواء داخل بعض المحلات أو البيوت ومن ذلك بالما تورتة، وتتكون من البيض واللياشاك والنيسكافيه والخل والشوكولاتة البيضاء والسكر والشلاغ والدقيق. وأسماء أخرى تتشابه أو تتطابق وصفاتها لكن مذاقاتها تختلف في البلقان التي وصفت شعوبه من كثرة تناولها للسكر وما يصنع منه بأنها شعوب من سكر، تتحول إلى الحلوى في العيد.