المهاجرون الأفارقة المتسولون ينشطون في رمضان بالمغرب

هل هم عابرو سبيل أم محترفون للتسول؟

أفريقية تحمل طفلا رضيعا أثناء تسولها في أحد شوارع الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

اذا كان لكل حرفة مواسم تزدهر وتعرف فيها الرواج، فالتسول حرفة يعرف اصحابها أن لها أيضا مواسم تنتعش فيها جيوبهم بسبب كرم الناس المتصدقين عليهم بالنقود التي يفضلونها عن أي نوع آخر من الصدقات.

وإذا كان يوم الجمعة من كل اسبوع يعد يوما استثنائيا في حياة المستولين، فشهر رمضان الفضيل يبقى مناسبة لا تعوض، لرفع الدخل وجمع المال، لذلك يلاحظ ان اعداد المتسولين زادوا عن الايام العادية، ينتشرون في كل مكان، أمام ابواب المحلات التجارية والمساجد وفي الشوارع الرئيسية في كل المدن المغربية. ويحتار معظم الناس، ويتساءلون إن كانت الصدقة جائزة للمتسولين المحترفين، فمنهم من يتخذ موقفا صارما ضدهم، وآخرون يتساهلون، ولا يعبئون ان كانوا حقا يستحقون ما يعطى لهم، وهذا هو الحال منذ زمان، غير ان هذا المشهد تغير في السنوات الاخيرة، وتعرف المغاربة على نوع جديد من المتسولين لم يكونوا يعرفونهم من قبل، انهم الافارقة الآتون من بلدان جنوب الصحراء، حيث الفقر والجوع والحروب، قصدوا المغرب كنقطة عبور نحو الجنة الاوروبية، كغيرهم من المغاربة الحالمين الذين تلتهمهم الامواج قبل ان ينعموا برؤية الفردوس الموعود. هؤلاء الافارقة تقطعت بهم السبل، وطال بهم المقام بين المغاربة، وأصبحوا مشردين، بعد ان نفد المال، فاحترفوا التسول في الطرقات، من اجل العيش، وأثاروا في نفس الوقت جدلا «فقهيا» في الشارع المغربي، هل تجوز فيهم الصدقة ام لا؟ وهل يمكن اعتبارهم عابري سبيل، ام مجرد متسولين محترفين؟ وكغيرهم من المتسولين «المحليين» ابتدعوا طرقا وأساليب لكسب عطف الناس، اولها تعلم بضع كلمات باللغة العربية ينطقونها بركاكة، ويرددونها امام المارة، منها: «السلام عليكم»، «انا مسلم»، و«صدقة في سبيل الله»، تجد بينهم رجالا يتمتعون ببنية قوية أي انهم قادرون على العمل، كما تلتقي بنساء برفقة اطفال رضع، يجلسن على ناصية الشارع.

يتوقف كثير من الناس أمام هؤلاء الافارقة ويضعون ايديهم في جيوبهم ويمدونهم بالنقود، بينما يمر آخرون من دون اكتراث بوجودهم، كل واحد حسب قناعته. ويرى البعض ان هؤلاء الافارقة يستحقون الصدقة، فهم يبدون طيبين، ولا يؤذون احدا كما قال احد المارة، «اذا اعطيته شكرك، وإذا لم تعطه، لا يتذمر، بعكس المتسولين المغاربة الذين يشتمونك بمجرد ان تدير ظهرك، اذا لم تعطه ما يريد».

وقالت احدى الفتيات: «اذا كان لابد من التصدق على المتسولين، خصوصا في شهر رمضان، فالمقربون اولى، لماذا نعطي للاجانب، اننا بذلك نشجعهم على البقاء في المغرب، بينما، بلدنا لديه ما يكفيه من المتسولين والعاطلين».

وفي هذا السياق، يقول الدكتور ادريس الخرشاف، الواعظ الديني في المجلس العلمي لمدينة الرباط لـ«الشرق الاوسط» ان الافارقة الموجودون في المدن المغربية ومن بينها الرباط، هم عابرو سبيل، فظروفهم اجبرتهم على دخول المغرب في انتظار فرصة المغادرة الى اوروبا، فهم لم يأتوا الى المغرب بغرض الاستقرار، بل يعتبرونه مجرد فضاء مرور مؤقت للاقامة او جمع المال، ولذلك علينا مساعدتهم والتصدق عليهم بالنقود، كل حسب امكاناته، واستطاعته.

وخلافا لهذا الرأي، قال الدكتور محمد الادريسي بخات لـ«الشرق الاوسط»، وهو امام وخطيب وواعظ ديني، ان السائل الذي يمحق في السؤال، يجب ألا نعطيه سواء كان افريقياً او مغربياً، لأنه اتخذ التسول مهنة، اما المحتاج حقا، فلا تطاوعه نفسه الابية ان يمد يده الى الآخرين ويستجدي بها الناس، «يحسبهم الناس اغنياء من التعفف لا يسألون الناس الحافاً».

وأضاف بخات ان مَنْ كان قادرا على العمل ويرفض الاشتغال بعرق جبينه، فلا يستحق الصدقة قط، فالإسلام دين يحث على العمل، و«قل اعملوا» و«امشوا في مناكبها وكلوا من رزقه»، بينما مِنَ الجائز التصدق على من يعاني من اعاقة بدنية، وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، جاء فيه ان رجلا جاء يسأله صدقة، فلاحظ الرسول الكريم عليه العافية وصحة البدن، فلم يعطِه شيئا، بل طلب منه الذهاب الى الغابة للاحتطاب، وبعد اسبوعين تحسن حال الرجل، ولم يعد للتسول.

أما بخصوص الافارقة المتسكعين في الشوارع، فهم محترفون للتسول، ولا يمكن اعتبارهم عابري سبيل، ممن يستحقون الاعانة او المساعدة، حتى ان من بينهم من يرتكب اعمالا قبيحة، وصلت في بعض الحالات الى حد الاجرام، كما ان بعض الافريقيات يحترفن الدعارة. وأوضح بخات ان هؤلاء الافارقة، فرضوا وجودهم بشكل فضيع، وأصبحوا مصدر ازعاج كبير للناس، نجدهم امام المساجد، وفي الازقة والشوارع، وفي كل مكان، مشيرا الى انه على الناس التمييز بين المحتاج والمحتال، اذا ما ارادوا التصدق بمالهم على الفقراء.

لكن ليس كل الافارقة متسولون، فالذين يرفضون التسول، لجأوا الى ممارسة التجارة، على رصيف الشوارع، حيث يعرضون للبيع بضاعة افريقية، تتمثل في الملابس الافريقية القطنية الشهيرة برسوماتها وألوانها الفاقعة، والى جانب الازياء، يبيعون مراهم تستعمل لعلاج نزلات البرد، بينما اختار آخرون بيع بعض الحلي الافريقية ذات الاشكال الغريبة التي يقبل على ارتدائها الشباب.

ومن لا يجيد فن التجارة، عمل مساعدا لبائع الخضر، او السمك في الاسواق الشعبية، ومنهم من اختار اصلاح الاحذية، وعمل اسكافياً.

ويقوم المغرب بترحيل العشرات من المهاجرين الافارقة الى بلدانهم، لكن سيل الهجرة لا يتوقف.