رِفْقُ النَّبِيِّ بأمَّتِه صلى الله عليه وسلم (2)

د. عادل بن علي الشدي

TT

ومِنْ صُوَرِ ذَلِكَ الرفقِ العظيم لنبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم ما ذكره مُعاوِيةُ بْنُ الحَكَمِ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه حيث قال: بَينما أَنَا أُصَلِّي مَع رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ عَطسَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ، فَقلْتُ: يرْحَمُكَ اللهُ. فَرَماني القوْمُ بأبْصارِهِمْ، فقلْتُ: واثُكْلَ أُمِّياه! مَا شأْنُكم تَنظُرُونَ إليَّ؟ فجَعلُوا يضْرِبُون بأيدِيهمْ عَلَى أفْخاذِهِمْ، فَلَمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونَني، لَكِنِّي سَكتُّ، فَلَمَّا صَلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبِأبي هُو وأمِّي، مَا رأيتُ مُعلِّمًا قبْلَه ولا بعْدَه أَحسنَ تَعْلِيمًا مِنْه، فَوَاللهِ مَا كَهرني، وَلَا ضَرَبَني، وَلَا شَتمنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» (رَوَاهُ مُسْلِم).

قَال النوويُّ: «فِيهِ مَا كانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَظِيم الخُلُقِ، الَّذِي شهِدَ اللهُ تَعَالى لَهُ بِه، وَرفْقِه بالجاهِل، ورأفَتِه وشفقَتِه عَلَيْه، وَفِيه التخلُّقُ بخُلُقِه صلى الله عليه وسلم فِي الرِّفْقِ بالجَاهِل، وحُسْنِ تَعلِيمِه، واللُّطْفِ بِهِ، وَتقْرِيبِ الصَّوابِ إِلَى فَهْمِه».

وَمِنْ رِفْق النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه أَنَّه نَهَى عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرضَ عَلَى النَّاسِ.

وَمِنْ رِفْقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه، أَنَّه صلَّى قِيامَ رَمضانَ فِي المسْجدِ ثَلاثَ لَيالٍ أَوْ أكثرَ، حَتَّى اجْتَمع خَلْفَه نَفَرٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ إِنَّه صلى الله عليه وسلم لم يخرُجْ إِلَى النَّاسِ بَعدَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ هَذِهِ الصلاةُ عَلَى النَّاسِ.

وَمِنْ رِفق النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه أنَّه دخَل المسْجدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بِينَ سَارِيَتَيْنِ. فَقَالَ: «مَا هَذَا الحَبْلُ؟» قَالُوا: هَذا حَبْلٌ لِزينَبَ، فَإِذَا فَترتْ تعلَّقتْ بِه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ، فَلْيَقْعُدْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَعَنْ أَنسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَينَما نَحْنُ فِي المسْجِد مع رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاء أعرابيٌّ فَقَام يبُولُ في المسْجِد، فَقَال أصحابُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوه ُ(1)» فَتركُوه حَتَّى بال.

ثُمَّ إِنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هذهِ المسَاجِدَ لَا تصلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَالْقَذَرِ، إِنَّما هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ».

قَالَ: فأمرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ، فَجَاءَ بِدلوٍ مِنْ مَاءٍ فشنَّه عَليه. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

*الأمين العام للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم