موائد رمضانية خيرية على قارعة الطريق في السليمانية

في كل عام ومع حلول رمضان تضاف عادات وتقاليد جديدة

توزيع الشاي على الصائمين بعد وجبة الإفطار الخيرية في السليمانية (تصوير: جولي عدنان)
TT

في كل عام ومع حلول شهر رمضان المبارك تضاف للعادات والتقاليد الرمضانية المتعارف عليها في المجتمع الكردستاني، تقاليد وطقوس اخرى جديدة بعضها مقتبس من دول الجوار والبعض الاخر ينقلها الى كردستان ابناء الجاليات المسلمة المقيمة فيها او تنقلها شاشات التلفزة التي تعج بالمسلسلات والطقوس الرمضانية من مختلف المجتمعات العربية والاسلامية، كما وتختفي او تقل تقاليد معينة، دأب عليها المجتمع الكردستاني منذ سالف الازمان لأسباب عديدة، لتحل محلها عادات اخرى بانماط بهيجة ونفحات كردستانية خاصة.

وفي رمضان هذا العام اعاده الله على الامة الاسلامية بالخير والبركة كل عام، تلاشت تقاليد رمضانية عديدة لطالما ظلت ولعقود طويلة سمة مميزة لهذا الشهر الفضيل في كردستان العراق، وفي مقدمتها تقليد المسحارتية، الذين لا يقل عددهم عن شخصين في الغالب في كل محلة، والذين كانوا يجوبون الشوارع في جميع مدن وقصبات كردستان بطبولهم ومزاميرهم لإيقاظ النيام لتناول طعام لسحور طوال ايام الشهر الكريم، ومع حلول اول ايام العيد السعيد كان الطبالون او المسحراتية يطوفون على بيوت الاحياء التي جابوا فيها في رمضان، بيتا بيتا لجباية حلاوة العيد او ما يسمى باللهجة العراقية بالعيدية، وكان على كل بيت ان يدفع مبلغا رمزيا الى المسحراتية والا ظلوا يطبلون ويزمرون عند باب البيت طويلا. وقد استعيض عن هذا التقليد هذا العام بتراتيل او تلاوات من القرآن الكريم ولمدة ربع ساعة تقريبا ايذانا بحلول موعد السحور، عبر مكبرات الصوت ومن جميع المساجد المنتشرة في احياء مدن كردستان كافة، واللافت ان المقاهي الشهيرة وخصوصا في مدينة السليمانية وقصبات منطقة كرميان، التي تشمل بلدات كفري وكلار ودربندي خان وطوز خورماتو، التي يقطنها خليط من الكرد والتركمان، اختفى او قلت فيها ممارسة اللعبة الرمضانية المعروفة بالصينية والظروف، التي كانت تستمر احيانا حتى ساعة السحور بين فريقين من الكرد والتركمان من حيين متجاورين، وفكرة اللعبة كانت تقوم على اخفاء زهر النرد تحت احد الاقداح الاثني عشر النحاسية الثقيلة التي يرصها احد الفريقين فوق صينية سميكة من النحاس ليتولى الفريق الخصم ايجاد الزهر مقابل نقاط تحسب ضد الفريق الذي يفشل في العثور عليه.

اما مسجد الشيخ كاكه احمد الشيخ، الذي يتوسط قلب السليمانية فقد ظل محتفظا هذا العام ايضا بتقليده الرمضاني العتيد والمستمر منذ عقود طويلة، ألا وهو اعداد الموائد الخيرية للصائمين الغرباء والفقراء طوال ايام الشهر الفضيل، حيث تقام الموائد الخيرية في باحة المسجد، الذي يقصده المئات من الصيام لتناول وجبة الافطار المؤلفة عادة من الرز والمرق مع قليل من اللحم.

لكن فكرة اعداد الموائد الرمضانية في وسط الشوارع الرئيسة في المدينة كانت تقليدا حديثا اعتمده احد الاثرياء، الذي قال انه اقتبس الفكرة اثناء زيارته للأردن العام الماضي خلال شهر رمضان، ولاحظ في شوارع العاصمة عمان الخيام التي تقام فيها الموائد الرمضانية الخيرية فقرر نقل هذا التقليد الخيري الى كردستان هذا العام، وقد نفذ الفكرة، ولكن على نحو متواضع، حيث لم تقدم له الجهات ذات العلاقة المساعدة المطلوبة لنصب تلك الخيام، ما دفعه الى تنظيم الموائد على قارعة وارصفة شارع مولوي اشهر شوارع السليمانية.

وقال فائق معروف، وهو احد اعيان واثرياء المدينة، انه يهيئ يوميا وجبة افطار كاملة لخمسمائة شخص ويقوم بتوزيعها على الصائمين بنفسه وبمساعدة نجله والعمال الذين يعملون في محله التجاري الكائن وسط السوق، وتابع معروف الذي سيقصد بيت الله الحرام في موسم الحج القادم، «لا ابغي شيئا من وراء عملي الخيري هذا سوى مرضاة الله سبحانه». واضاف معروف، 47 عاما، في حديثه لـ«الشرق الاوسط» مارست العمل الخيري في شهر رمضان المبارك منذ صباي، ولكن بانماط مختلفة، ففي السابق وتحديدا خلال فترة الحصار المزدوج على كردستان منذ عام 1991 كنت اشتري كميات كبيرة من المؤن الغذائية واقوم مع اسرتي بتقسيمها على شكل حصص في اكياس ثم اقوم ليلا بتوزيعها على بيوت الفقراء والمعوزين في حينا والاحياء المجاورة من دون ان يعرفونني، ولكن في هذا العام فضلت هذا التقليد الجميل الذي سنطوره في رمضان المقبل ان شاء الله ليكون على نطاق اوسع واكثر تنظيما».

ومن بين الذين يتناولون وجبة الافطار في اطار هذا المشروع الخيري مواطنون ايزديون وعمال بنغاليون ونيباليون مغتربون من غير المسلمين، وعن ذلك قال معروف «نحن ننشد عمل الخير وهؤلاء المغتربون هم الاكثر حاجة للمساعدة والخير حتى لو كانوا غير مسلمين، لأن الخير والمساعدة جائزان لغير المسلم ايضا، لاسيما في هذا الشهر الكريم، ودعني اضرب لك مثلا في ذلك فابناؤنا واخواننا من الكرد الذين يقصدون الدول الاوروبية لاجئين ويحظون هناك بعون ومساعدة الحكومات والمجتمعات غير الاسلامية أليسوا خاضعين لهذا المنطق؟ اي منطق الخير والمساعدة فطالما نقبل ان يتصدق غير المسلمين على ابنائنا اللاجئين في اوروبا، علينا ان نقبل نحن ايضا بمنح الصدقة والعون لغير المسلمين في بلدنا، فكلنا في النهاية بشر وعبيد لله وحده.