عَدْل النبيِّ صلى الله عليه وسلم

د. عادل بن علي الشدي

TT

جَاءَ الإسْلامُ بالعدْلِ المطْلقِ، كَمَا فِي قولِه تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل: 90).

وَمِنْ صُورِ عُمومِ عَدْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ امرأةً شَرِيفَةً مِنْ بَنِي مخزُومٍ سَرقتْ، فَأهمَّ قُريْشًا شأنُ هَذِهِ المرأةِ، وأرادُوا أَن يتوسَّطوا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم في دَرْءِ الحدِّ عنها، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالُوا: وَمَنْ يجترِئُ عليهِ إلا أُسامةُ بْنُ زيدٍ، فأُتِي بِها رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ فِيها أُسامةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتلوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟» فَقَالَ لَه أُسَامَةُ: استَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ الله ! فَلَمَّا كَانَ العشيُّ قَامَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاخْتطبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِما هُوَ أَهلُه، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا».. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

هَذِهِ هِي العَدالةُ النبويَّةُ الَّتِي لا تفرِّقُ بَيْنَ شَريفٍ وَوَضيعٍ، أَوْ بَيْنَ غنيٍّ وفقيرٍ، أَوْ بينَ حَاكِمٍ ومحكُومٍ، فالكلُّ فِي ميزَانِ الحقِّ والعَدْلِ سَواءٌ.

وَمِنْ صُورِ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ النُّعمانَ بْنَ بَشيرٍ قَالَ: أَعْطَانِي أَبي عَطِيةً، فَقَالَتْ أمُّه عُمَرةُ بِنْتُ رَواحَةَ: لا أرْضَى حَتَّى يشهَدَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسولَ اللهِ فَقَالَ: إِنِّي أَعطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمرةَ بِنْتَ رَوَاحَةَ عَطِيةً، فَأمرَتْنِي أَن أُشهِدَكَ يَا رسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لا. قَالَ: «فاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ» فَرَجَعَ بَشيرٌ، فردَّ عطيَّتَهُ.. (متفقٌ عليْه).

وَأَمَّا العدْلُ بينَ الزَّوْجَاتِ فَقَدْ كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ بِه حَقَّ القِيامِ، حَيْثُ كَان يقْسِمُ بينَهُنَّ مَا يقْدِرُ عَلَى قسْمَتِه مِنْ بَيْتٍ ونفَقَةٍ وَنحْوِهِمَا بالقسْطِ التَّامِّ سَفَرًا وَحَضرًا، يَبِيتُ عندَ كُلِّ وَاحِدَةٍ ليلةً، وينْفِقُ عَلَى كُلِّ واحدَةٍ مَا فِي يدِه بالسويَّةِ، وَبنى لكلِّ واحِدةٍ حُجْرةً، وَإِذَا سَافَرَ أَقْرَع بينهُنَّ، وَخرجَ بالَّتِي تَخرُجُ لَها القُرْعَةُ، وَلَمْ يفرِّطْ في شيْءٍ مِن ذَلِكَ، حَتَّى في مَرضِ مَوْتِه، حَيثُ كَانَ يُدارُ بِه عَلَى نِسَائِه، كُلُّ وَاحدَةٍ في نوبَتِها، وَلمَّا شقَّ عليْهِ ذَلكَ، وعلِمْنَ أَنَّه يحبُّ أن يسْتِقرَّ فِي بيتِ عائشةَ ـ رَضِي اللهُ عنهُنَّ كلِّهنَّ ـ أذِنَّ له في أن يُمَرَّض في بيتِها، فمَكثَ فِيه حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، وَمَع ذَلِكَ العدْلِ الَّذِي كَانَ يَقُومُ بِه معهُنَّ كَانَ يعْتَذِر إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: «اللهُمَّ هَذَا قَسَمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فلا تَلُمْنِي فيمَا تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ».. (رواه أبو داود والترمذيُّ).

وَحَذَّر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الميْلِ إِلى إِحْدَى الزَّوْجَاتِ عَلَى حِسَابِ الأخْرَى, فَقَالَ عَليه الصلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ».. (رواه مسلم).

* الأمين العام للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم