الصائم في الدول غير الإسلامية يفتقد صوت المآذن عند حلول موعد الإفطار

رمضان في النمسا

TT

أكثر ما يفتقد الصائم في دولة غير مسلمة، صوت الماّذن الريانة التي تعم الارجاء وهي تكبر داعية لصلاة المغرب، معلنة حلول موعد الافطار. في اوضاع كتلك، لكم ان تتصوروا مدى فرحة مسلم عندما يسمع صوت الاذان يرفع داخل اكبر وافخم مباني حكومية في حفلات افطار رسمية، في دولة مسيحية كالنمسا.  ذلك الاحساس بالغبطة، يدخل في عداد بركات الشهر العظيم، خاصة ان تلك الحفلات تعكس مدى تقدير الحكومة النمساوية للدين الاسلامي، ولحقوق مواطنيها من المسلمين الذين يعتبر دينهم دينا رسميا بالنمسا منذ العام 1912 بعد ان سن الامبراطور فرانس جوزيف قانونا بذلك لتنظيم حياة راعايا الامبراطورية المنتشرة حينها في اقليمي البوسنة والهرسك. ثم ومع مرور السنين وزيادة هجرة المسلمين لسوء الاحوال في بعض بلادهم ما اضطرهم لمغادرتها بحثا عن حياة افضل تنوعت اصول المسلمين بالنمسا الذين يصل عددهم الى حوالي 400 ألف مواطن، يعتبرون نسبة لا بأس بها لقلة عدد النمساويين عموما «8 ملايين» وتتراوح اصولهم ما بين شرق اوروبية وتركية وعربية.

 وتؤكد كل المصادر ان تقليد دعوة قيادات المجتمع الاسلامي بالنمسا للاحتفال بشهر رمضان تبلورت مع عمدة فيينا الحالي الاشتراكي الديمقراطي الدكتور ميخائيل هويبل، خاصة بعد ظهور سياسيين نمساويين من اصول اسلامية كالنائب ببرلمان حكومة اقليم فيينا العاصمة عمر الراوي، وهو عراقي الاب نمساوي الام، وصل الى فيينا بغرض الدراسة الجامعية فتخرج فيها مهندسا وانخرط في العمل السياسي مع الحزب الاشتراكي، فأصبح همزة وصل مع المسلمين.

وان كان واقع الامر يؤكد كذلك ان اقلية مختارة هي التي تفوز بالدعوات سنويا، حوالي 300 الى 350 ضيفا عادة، ما يمكنهم من حضور تلك الحفلات الرمضانية الرسمية  «نمساوية النكهة» مع المستشار بمبنى المستشارية، او في حضرة عمدة فيينا بمبنى البلدية الامبراطوري العريق «الرات هاوس» الا ان العبرة في ما تعكسه من اهتمام نمساوي رسمي من قمة السلطة بمناسبات مواطنيها من مسلمين وضرورة مشاركتهم. اضف الى ذلك حرص المنظمين على دعوة ممثلين من قيادات الديانات الاخرى لمزيد من التآلف والاندماج والتعايش السلمي، وتأكيدا لمبدأ حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، ورفضا واضحا للسياسات المتطرفة لبعض قادة الاحزاب اليمينية الذين يقودون حملات سياسية ضد المسلمين والاجانب، ويحرضون لمحاربة وجودهم بالنمسا، وتضييق المجال أمام هجرتهم واستقرارهم.

وعموما يعتبر شهر رمضان بالنمسا مناسبة لجمع شمل المسلمين بصورة جلية، اذ يسوده حرص شديد على الصلاة جماعة وقراءة القرآن والاستمتاع بالدروس الدينية والمحاضرات سواء بالمسجد الاسلامي الكبير او المساجد الصغيرة المنتشرة بعدد من الاحياء وداخل الدور والاندية والروابط. فيما تحرص السيدات على تنظيم دروس بمنازلهن اثناء اليوم. اضف الى ذلك الاهتمام الشديد بضرورة الافطار جماعيا، ما أمكن ذلك. خاصة ان موعد الافطار يتأخر لحوالي السابعة مساء، ما يساعد على الحضور بعد انتهاء ساعات العمل، كما لا يقصر الدعوات على ايام عطلة الاسبوع فقط. وتحرص جاليات عديدة ان تتوسع دعواتها لتشمل جميع افراد الاسرة، حتى يستوعب الاطفال معنى خيرات رمضان وضرورة المشاركة. من جانبهم يهتم عدد من النشطاء والراعين لشؤون جالياتهم ثقافيا واجتماعيا بالاضافة لبعض السفراء بضرورة الاستفادة من رمضان كفرصة لمزيد من التواصل مع بعض مواطنيهم الذين لا يلتقونهم مرارا، خاصة من يرعون قطاعات من الطلبة والعذابة من المبعوثين. ومما يجدر ذكره هنا ضرورة الاشادة بالدور الذي تقوم به ربة الاسرة والام العربية بوجه خاص في بلد من بلاد الاغتراب، حتى يصبح منزلها منزلا عربيا اسلاميا. وهي تراعي بوعي تام الظروف المختلفة التي ينشأ فيها اطفالها، فتحاول الا يعيشون في صراع بين حضارتهم وحضارة المجتمع النمساوي الذي يستضيفهم.  وفي نطاق ذلك تهتم سيدات كثر من الجاليات والمنظمات باحياء المناسبات الاسلامية. وعلى سبيل المثال حرص سيدات الجالية السوداينة، بمختلف اتجاهتهن السياسية المتضاربة والجغرافية المتباعدة، على المساهمة والاشتراك في اقامة دعوة رمضانية يحرصن ان تصل جميع السودانيين الموجودين بفيينا دون فرز. وفي ذلك الحفل الاسري الجامع تعكس السودانيات بجلاء ان «اختلاف الرأي يمكن الا يفسد للود قضية». هذا كما يسارعن باقامة حفل خاص بالاطفال احتفاء بالعيد كغيرهن من سيدات التجمعات الاخرى التي يكون بعضها خاص بابناء كل بلد منفردا وبعضها عربي جامع. ومعلوم ان الرئيس النمساوي ينظم بدوره بقصر الهوفبورغ دعوة بمناسبة العيد يحضرها العديد من المسؤولين. من جابنهم يحرص بعض السفراء وقادة المنظمات الدولية على الاهتمام بتقليد «الباب المفتوح» لاستقبال موظفيهم وأسرهم في الاعياد. وتلك سنة يدأب على اتباعها المدير الحالي لصندوق الاوبك للتنمية الدولية «افيد» سليمان الحربش الذي يحرص وحرمه، على توجيه دعوة لا تقتصر فقط على منسوبي الصندوق وزوجاتهم واطفالهم، بل يحضرها اعلاميون ودبلوماسيون، ونمساويون كل عيد رمضان في يوم اصبح مميزا. من جهة اخرى يلحظ المرء في المناسبات الاسلامية بالعاصمة النمساوية فيينا، الدور الهام الذي يقوم به عدد من التجار العرب والمسلمين المنتشرين في اكثر من سوق بالمدينة خاصة السوق العامر المعروف باسم، الناش ماركت، ممن يسعون لاكسابه اجواء رمضانية وعيدية محببة بتوفير كميات ضخمة من متطلبات رمضان ولوازمه من تمور وقمر دين وكنافة وكبكبيك وفول بالاضافة لانتشار المذابح الحلال، ما يسهل من اعداد كل ما تشتهيه الاسر من مخلتف الاطعمة التي ارتبطت بالشهر الكريم. كما يغمرونه بلوازم الاعياد من حلويات وخبائز.