فاذكروني أذكركم

د. عائض القرني

TT

إذا تاهت النفس في بيداء من الهم والحزن، وضلت في مجاهيل من الشك والحيرة، وتخبطت في غابات الإفلاس والضياع فاذكر الله: «أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». إذا عقك القريب، وهجرك الصاحب، واستبد بك الظالم، وصد عنك الحبيب، فاذكر الله؛ فهو سلوة من كل غائب، وعزاء من كل فقيد، وعوض من كل هالك. إذا أغلقت الأبواب، وسدت في وجهك السبل، وتقطعت بك الحبال، فاذكر الله تنصر وترزق وتحب ويرضَ عنك، وإذا رأيت الإحباط يطاردك، والفشل يرافقك والإخفاق يرتادك، فاذكر الله؛ لتحظى بالقبول، وتنال القرب، وتدرك النجاح. إذا رأيت الفاشلين الأغبياء في ذكر شهواتهم وملذاتهم، في أخبار سهراتهم وأمنياتهم، وفي قصص مهانتهم وذلتهم، فاذكر الله، فأنت منهم أعلى، وقيمتك أغلى، وكلامك أحلى، والسماء والأرض تناديك أهلاً وسهلاً. إذا نظرت للاهين العابثين أشباه الرجال، وأرباع الأحياء، وموتى الهمم يدندنون بحكاياتهم التافهة تفاهة وجودهم، الساقطة سقوط عزائمهم، الهابطة هبوط عقولهم، فاذكر الله، ليذكرك موجد الكائنات، ورب البروج، ومبدع المروج ـ جل في علاه ـ. إذا سئمت من الحياة ومن فيها، والأرض ومن عليها، والكون وما حواه، فاذكر الله، لتتنزل عليك الرحمات، وتحفك البركات، وتحصنك الأرض والسموات. قال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلاَ أَولاَدُكُم عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأْوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ. وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقنَكُم مِّن قَبلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَو لاَ أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ. وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ».

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم» متفقٌ عليه. وعنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات». رواه مسلم.