رئيس العلماء في البوسنة لـ«الشرق الأوسط»: رجاؤنا أن يقل الألم ويزداد الأمل لدى مسلمي البوسنة

الشيخ مصطفى تسيريتش: ذكرى سريبرينتسا أثقال تتراكم كل سنة

مسلمون بوسنيون أثناء صلاة العيد في سريبرينتسا العام الماضي (رويترز) وفي الاطار د. مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البوسنة والهرسك («الشرق لأوسط»)
TT

عبر الشيخ الدكتور مصطفى تسيريتش رئيس العلماء في البوسنة والهرسك، عن ارتياحه لقرار البرلمان الأوروبي، جعل يوم 11 يوليو (تموز)، يوما لإحياء ذكرى سريبرينتسا، في دول الاتحاد إلى جانب بقية دول البلقان. كما عبر عن شكره للدور الإسلامي في تخفيف معاناة المسلمين في البوسنة، إبان العدوان الذي تعرض له المسلمون في سنوات «المحرقة» 1992 ـ 1995. وقال الدكتور تسيريتش لـ«الشرق الأوسط»: «رجاؤنا أن يقل الألم ويزداد الأمل.. ولكن الألم يزداد كل سنة تمر على الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا، ونحن نشعر في الذكرى الـ14 للمجزرة كما لو أنها 14 حجرا على القلب، فهي بمثابة حمل يزداد ثقله مع مرور الأيام، لا سيما في ذكرى الإبادة بسريبرينتسا».

* في الذكرى الـ14 لمجازر سريبرينتسا، أعيد دفن 534 ضحية من ضحايا سريبرينتسا،، كما أعلن عن تحديد هوية 6186 ضحية من ضحايا سريبرينتسا الذين عثر عليهم داخل المقابر الجماعية، كيف عشتم تلك الأجواء؟

ـ نحن لم نبلغ بعد منتصف الطريق، والذين أعيد دفنهم، دفنوا غير مكتملي الأعضاء، فأجزاء أعضائهم المفقودة، مدفونة في مقابر أخرى لا تزال مجهولة، فقد قطع الأعداء أوصال الضحايا ودفنوهم في مقابر جماعية مختلفة. وقد قام الأعداء بنقل جثث الضحايا من مكان إلى آخر لإخفاء الجريمة. فقد كانت هناك مقابر للطوارئ، ثم حولوا جثث الضحايا إلى مقابر أخرى لإخفاء الجريمة.

* ماذا يعني لديكم، قرار البرلمان الأوروبي، جعل يوم 11 يوليو (تموز) من كل عام يوما لإحياء ذكرى الإبادة في سريبرينتسا؟

ـ يعتبر قرار البرلمان الأوروبي حدثا جديدا، يعطينا شيئا من الأمل بجانب الألم. ففي 15 يناير (كانون الثاني) الماضي قرر البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة، أي بـ565 صوتا، اعتبار يوم 11 يوليو (حزيران) يوما لإحياء ذكرى سريبرينتسا في جميع دول الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان. وهذا لا يغير ما حدث، ولا يعيد الضحايا إلى الحياة، ولكن يعطينا الأمل، حيث اعترفت أوروبا بذنبها في سريبرينتسا، إلا 9 أعضاء من جماعة، جان ماري لوبان، الفرنسية، فيما امتنع 20 عن التصويت. وهذا يدل على أن الوعي الأوروبي بدأ يتغير باتجاه الأنسنة، وهم لأول مرة في التاريخ يعترفون بخطيئة ارتكبوها ضد المسلمين. إذن أوروبا اعترفت بخطيئتها في البلقان عامة وفي البوسنة خاصة. لقد عشنا إبادات جماعية بلغت 10 إبادات جماعية، ولكن هذه المرة الأولى التي تعترف فيها أوروبا بمعاناة المسلمين، وأشارت إلى المجرم بأصابعها، وأعتقد أنها ظاهرة جديدة في المفهوم الأوروبي للوجود الإسلامي. فأوروبا أخرجت المسلمين مرتين؛ الأولى سنة 1492 عندما قامت بإزالة المسلمين واليهود عرقيا من شبه جزيرة ايبريا، وفيما بين الحربين العالميتين تم نقل اليهود إلى فلسطين، وفي أواخر القرن العشرين قتلوا وأخرجوا مئات الآلاف من مسلمي البوسنة. وقد اعترفوا بإبادة اليهود، كما اعترفوا بإبادة المسلمين في البوسنة وهذا الاعتراف يجب أن يلفت نظرنا، وأتمنى من العالم الإسلامي تفهم هذه القضية ووضعها في حيزها الطبيعي، وفهمها فهما صحيحا. ونحن نتمنى أن لا يتكرر ما حدث في البوسنة عامة وسريبرينتسا خاصة في المستقبل. والاعتراف بحصول جريمة تأكيد عن أن ذلك لن يحصل في المستقبل.

* في الوقت الذي اعترف فيه البرلمان الأوروبي، بحصول جريمة إبادة في البوسنة، أفشل الصرب في البرلمان البوسني مشروع قرار لجعل يوم 11 يوليو (تموز) يوما لإحياء الذكرى في كامل تراب البوسنة، فهم لا يزالون يرفضون الاعتراف بحصول إبادة، ويعملون على تحديد يوم آخر غير 11 يوليو (تموز)، يكون لجميع القتلى في البوسنة من الأطراف الثلاثة؛ البوشناق والصرب والكروات، وفي ذلك كما يقول كثيرون خلط بين ضحايا الحرب وضحايا الإبادة.

ـ هناك محاولات لتزوير التاريخ، لا سيما ما حدث أثناء العدوان على البوسنة. ومن ذلك اعتبار أن الجميع سقط منهم ضحايا، وأن الجميع ارتكب جرائم حرب، وهذه مغالطات كبرى. فالصرب لم يتعرضوا لأي إبادة جماعية، ويحسبون قتلاهم في خطوط النار أثناء المواجهات ضحايا مقابل المدنيين الذين كانوا ضحاياهم في المقام الأول. والحقيقة هي أن فشل البرلمان ليس بسبب الصرب فحسب، بل إن الأعضاء البوشناق لم يبذلوا جهدا ليصدر البرلمان قرارا لصالح ضحايا سريبرينتسا. نحن في المشيخة الإسلامية وبالتعاون مع «أمهات سريبرينتسا» استطعنا إقناع البرلمان الأوروبي بقراره المتعلق بسريبرينتسا. فماذا فعل السياسيون البوشناق، وأين ضغطهم، وأين تشاورهم وتعاونهم؟! الصرب يرفضون لأن نظراءهم ضعفاء، فأين جهدهم وأين حقهم وأين مسؤوليتهم. فنحن لا نستطيع أن نلوم الآخرين دائما. نحن في المشيخة الإسلامية نعلم موقف الصرب، ولو حسبناه كما حسبه من هم في البرلمان ما قدمنا مبادرتنا للبرلمان الأوروبي، واستطعنا توحيد كلمة 565 عضوا في البرلمان الأوروبي، وكان ذلك من شبه المستحيل، ولكننا ثابرنا وصبرنا وأريناهم الحجج ووصلنا بهم إلى حال لا يستطيع فيها أحد أن يقول لا. فهل فعل البرلمانيون البوشناق هذا؟!

* هل ستسعون لجعل يوم 11 يوليو (تموز) يوما لذكرى سريبرينتسا في العالم الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، مثلا؟

ـ لا حاجة لنا أن نتوجه اليوم، إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لتجعل يوم 11 يوليو (تموز) من كل عام، إحياء لذكرى سريبرينتسا، ولكننا ننتظر من العالم الإسلامي أن يبادر بنفسه. وقد أشرنا في الاجتماع الذي عقد في طرابلس إلى ذلك، ووزعنا بيان المجلس الأوروبي، وتم تثمين الموقف الأوروبي من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي، ونحن ننتظر من المنظمة بيانا أو قرارا على غرار ما تم اتخاذه في أوروبا. وجعل يوم 11 يوليو (تموز) يوما لذكرى سريبرينتسا في كل دول العالم الإسلامي. كما قدمنا نص القرار إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وكان الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي قد أدان جريمة الابادة في سريبرينتسا وأيد المبادرة، وأعرب عن استغرابه من سماح أوروبا بحدوث هذه الجريمة.

* بخصوص سريبرينتسا، هناك نقائص كثيرة يحتاجها العائدون، وفي مقدمة ذلك الأمن والاستقرار الاقتصادي وقبل ذلك التعليم..

ـ نحن ضحايا السياسات الدولية، وضحايا خيانة الجهات الدولية لنا، فهم أخذوا من سكان سريبرينتسا الأسلحة التي كانوا يدافعون بها عن أنفسهم، ولم يدافعوا عنهم عندما اجتاحتهم القوات الصربية. وبعد الاعتراف بالجريمة عادوا وسلموا الضحايا ليكونوا تحت رحمة المجرمين كما هو اليوم، حيث سريبرينتسا تحت الحكم الإداري الصربي. وهذا أمر غير معقول وغير مقبول فماذا لو أعادوا ضحايا أوشفبيتس، تحت الحكم النازي، فهل معقول ومقبول؟! لذلك نحن طالبنا بإخراج سريبرينتسا من دائرة الحكم الإداري الصربي. ونعمل قصارى جهدنا على مستوى إقامة مدرسة أو أكثر في سريبرينتسا.

* ما سبب بقاء الوضع السياسي على ما هو عليه في البوسنة؟

ـ هناك خلافات أوروبية حول البوسنة تؤخر الإصلاحات المطلوبة أوروبيا. وهذا الخلاف ندفع نحن ثمنه. فنحن أغلبية ولكننا لا نتمتع بحق الأغلبية. ولا تزال هناك تدخلات من بلغراد وزغرب في شؤوننا الداخلية. وسياسة البوسنة الحالية أبعدتنا عن العالم الإسلامي، ونحن تحت ضغوط لنتبرأ من الذين ساعدونا في أصعب الأوقات. فلولا العالم الإسلامي لما استطعنا الصمود والبقاء على الرغم من كل التضحيات. ونحن نأمل في استمرار هذا الدعم وهذه الحماية وهذا الحدب من العالم الإسلامي.

* كيف تنظرون لمستقبل البوسنة في ظل التداخل الإقليمي على مستوى النسيج الجيوديمغرافي والجيوسياسي في منطقة غرب البلقان؟

ـ الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله، توقع أن، تكون صربيا ضعيفة وكرواتيا ديمقراطية، وهذا ما نشاهده، وهو يؤثر بشكل إيجابي وكبير على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. ونحن نشاهد صربيا ضعيفة غير قادرة على شن الحروب، وهذا أمر إيجابي.

* يثير البعض قضية الاندماج في المجتمعات الأوروبية، كيف تنظرون لهذه القضية؟ ـ المسلمون في أوروبا، وهنا أتحدث عن مسلمي البلقان وبالأخص البوسنة، كانوا وما زالوا مندمجين، وربما هم مندمجون أكثر من اللازم، ومع ذلك حصلت الإبادة، ولم يمنع اندماجهم من حصول جرائم بحقهم. وهذه رسالة سيئة للمسلمين عبر العالم بأنكم مهما اندمجتم فسوف ينظر إليكم دائما كمسلمين إلى أن تصلوا إلى نقطة فارقة. ونحن نأمل ونرجو أن يتابع المسلمون ما يجري في البوسنة، ويكونوا معنا بالدعاء والمتابعة حتى لا تتكرر سريبرينتسا مرة أخر.