البوسنة.. المطعم الشعبي ملجأ للصائمين الفقراء

مطعم خيري فريد من نوعه تشرف عليه مؤسسة «المرحمة»

جانب من إفطار رمضان في سراييفو («الشرق الأوسط»)
TT

المطبخ الشعبي، أو «نارودني كوهينيا»، مطعم خيري فريد من نوعه في البوسنة، تشرف عليه مؤسسة «المرحمة» (المحلية)، وهو من آثار العهد العثماني، حيث كانت هناك الكثير من المطاعم والاستراحات الخيرية التابعة للأوقاف، حيث يجد الفقراء والمحتاجون وكبار السن المعدمون حضنا دافئا، في مثل هذه الأماكن السخية. وبعد انحسار ظل الخلافة العثمانية صودرت الأوقاف، وحورب الإسلام بشكل أكثر ضراوة. وكان العدوان الذي تعرضت له البوسنة (1992 ـ 1995) منحة في جوف محنة، حيث عادت الكثير من الأوقاف إلى المشيخة الإسلامية، ولا يزال الكثير منها مصادرا، ولا سيما في «جمهورية صربسكا» داخل البوسنة. ومن جملة ما تم إحياؤه «المطبخ الشعبي» في مختلف أقاليم البوسنة، والذي وإن منح أماكن، بعضها تابع للأوقاف وبعضها تابع للبلديات، إلا أنه لا يتمتع بعائدات مالية يومية كانت أو شهرية يصرف من خلالها على الخدمات الخيرية التي يقدمها لرواده من الفقراء. ويعتمد المطبخ ـ بعد الله ـ على تبرعات أهل الخير من أبناء البلد، والتي تقلصت بفعل الأزمة الاقتصادية التي تضرب اقتصادات الدول والمؤسسات والأفراد على حد سواء. ففي إقليم بيهاتش، (500 كيلومتر شمال غربي سراييفو) لم يتم توفير سوى 10 آلاف يورو للمطبخ الشعبي قبل شهر رمضان، ويتوقع أن يزيد المبلغ في أيام رمضان الذي مر منه نحو أسبوع. وقال رئيس بلدية بيهاتش حمدي ليبوفاتش لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش في وقت صعب، والمحتاجون يزداد عددهم باستمرار» وتابع «الوضع الحالي ـ كما قلت ـ صعب، وهناك الكثير ممن لا يجدون ما يأكلون أثناء الإفطار.. ولولا الله ثم بعض الخيريين الذين يساعدون باستمرار المطعم لكان الوضع أكثر سوءا». وأشار مدير منظمة «المرحمة» في بيهاتش، ألن بروشيتش، إلى أن «المرحمة، في بيهاتش تقوم بمساعدة المطبخ الشعبي منذ فترة طويلة، وهو خاص بالأشخاص الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة ولا سيما المعدمين منهم»، وأضاف «قدمنا حتى الآن أكثر من 100 ألف مساعدة غذائية، ونخشى من تدهور الأوضاع أكثر فأكثر بعد رمضان، فالناس أكثر جودا وسخاء في رمضان «ويوجد في المطبخ الخيري (المرحمة) في بيهاتش 208 مستفيدين، كما يقول مدير المطعم الخيري فكرت دراغانوفيتش «يتناولون طعام الإفطار الرمضاني، والسحور مجانا، وأحيانا يأتون ويأخذون الطعام إلى بيوتهم ليتناولوه هناك بعيدا عن أعين المتطفلين».

ولا يختلف الأمر في ترافنيك (وسط البوسنة) بل ربما كان أسوأ هذا العام، فلم يجمع المطعم الخيري سوى 9 آلاف يورو، بينما يحتاج المطبخ لـ36 ألف يورو للوفاء بحاجيات الصائمين المنتفعين من خدمات المطبخ. وفي الشهور الستة التي سبقت رمضان لم يتسن جمع المبلغ المطلوب، مما أثر على مستوى الإفطارات المقدمة للصائمين المعدمين في المنطقة. وقال مدير مكتب المرحمة في ترافنيك، مصطفى اندجيتش لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع كما ترون لا يحسد عليه، ونأمل في كل لحظة أن تتدخل الحكومة، فعندما نعجز نحن كمجتمع مدني لا بد من تدخل السلطات وهذه مسؤوليتها بالدرجة الأولى». وعن عدد المنتفعين من المطعم الخيري أفاد اندجيتش بأنهم «800 مستفيد موزعون على 4 أماكن هي ياييتسا، وترافنيك، ودوني فاكوف، ونوفي ترافنيك، ونحن ندعو السلطات للتدخل لتحسين مستوى الإفطارات للصائمين».

ولا تقام المطاعم الخيرية في رمضان فحسب، بل تعمل على مدار العام. وإذا ما كان هناك تهديد حقيقي لمستوى الإفطارات في رمضان، والتي تحقق المطالب الغذائية الصحية للصائمين، كما يقول القائمون عليها، فإنها ستضطر لإغلاق أبوابها لعدة شهور حتى تتمكن خلال شهر رمضان من كل عام من أن تكون ملجأ حقيقيا للفقراء. لكنهم يأملون ألا يحصل ذلك، فـ«الفقراء لا يجوعون في رمضان فقط، بل في سائر أيام العام».

وعلى الرغم من أن المطعم الخيري في سراييفو أفضل حالا نسبيا هذا العام، إلا أنه يشكو بدوره من ضعف التمويل. ويستفيد من المطعم الخيري في سراييفو العتيقة نحو 1500 مستفيد. وقد حصل في رمضان الجاري على مساعدة لإفطار 500 صائم يوميا طوال الشهر. وقالت مديرة المطعم زلها شيتا، والتي يطلق عليها في سراييفو اسم «الخالة» وبالبوسنية «تيتكا»: «المطعم سواء في سراييفو أو توزلا أو زينتسا أو غيرها يقدم خدماته لجميع فئات الشعب المحتاجة، مسلمين وغير مسلمين، فالله عاتب إبراهيم عليه السلام، لأنه رفض ضيافة غير مسلم، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، في كل ذات كبد حري أجر، (أو كما قال صلى الله عليه وسلم) ونحن لا نفرق بين صائم وغير صائم من الطوائف الأخرى». وعما إذا كان جميع المحتاجين يتناولون الإفطار في المطعم، نفت «الخالة» (زلها) ذلك «البعض يتناولون الطعام في المطعم، وبعضهم نوزع عليهم ما يحتاجونه ولا سيما من يقدرون على الطبخ، فنعطيهم اللحم والزيت والسكر والأرز والخبز وغير ذلك». وعن نوعية المستفيدين ذكرت «تيتكا» (زلها) أن «المطعم يقدم خدماته للمتقاعدين، والمرضى، والمعدمين من الجنسين ومن مختلف الأعمار». وعن تأثير الأزمة أو ما يطلق عليه عالميا «ريسيسيا» على خدمات المطعم قالت «نتلقى قليلا من المساعدات من الحكومة، وبعد الأزمة قلت الشركات التي تقدم لنا المعونة، ولكن يأتينا أناس طيبون ومن مختلف شرائح المجتمع ويقدمون لنا المساعدة». وذكرت أن المطعم سيظل «ملجأ كل منكوب، وكل من كبرت سنه ولم يجد من يعوله، وكل مريض لا يجد من يطبخ له ويقدم له الطعام، وكل وحيد لا يجد من يشاركه طعامه، وهو من بركات الإسلام الذي دعانا للتكافل والتآزر، وأنه ما آمن من بات شبعان وجاره جائع». وختمت بقوله تعالى «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا»، وقوله تعالى «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس».