نكهة خاصة للإفطار والسحور في حارات دمشق القديمة

يشعر الصائم في مطاعمها وبيوتها الشامية وكأنه يعيش رمضان دمشق قبل 300 عام

مطعم في ساحة المرجة بدمشق القديمة يقدم الإفطار والسحور على الرصيف بطقس تراثي جميل («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت حارات وأزقة دمشق القديمة ما كان منها داخل السور أو خارجه من العمارة، وحتى الصالحية، باحتفاء سكانها بشهر رمضان المبارك بشكل خاص يختلف عن أحياء دمشق الجديدة، حيث تتكرس في الحارات القديمة العادات الاحتفائية، وتتعمق العلاقات الاجتماعية بين سكان الحارة الواحدة، الذين يعرفون بعضهم بعضا جيداً، ولكن وفي السنوات العشر الأخيرة، ومع انتشار مئات المطاعم والفنادق في بيوتات دمشق القديمة، تغيرت الحياة في هذه الحارات ولتتغير معها بعض العادات الرمضانية، حيث باتت هذه المطاعم تعلن عن عروضها السخية للإفطار والسحور في الشهر الفضيل، مع وجود الكثير من الطقوس الرمضانية الدمشقية التقليدية، وأصبحت هذه الحارات وبعكس السنوات السابقة تعج بروادها الصائمين ومن مختلف المدن السورية والسياح والزوار، من بدء الإفطار وحتى السحور، بعد أن كانت تعيش بهدوء وسكون، ومع عروض هذه المطاعم كان لا بد للمطاعم الشعبية أن تدخل على خط المنافسة، فالمتجول في عدد من أسواق وحارات دمشق، وعلى غير العادة في الأيام الماضية، يلاحظ قيام العديد من المطاعم الشعبية بوضع الطاولات على الرصيف، واستقبال الصائمين الراغبين في تناول الإفطار والسحور، ومن المأكولات الشامية المعروفة والمقبلات والمشروبات الخاصة في الشهر الفضيل، سيجد طلبه في هذه المطاعم الشعبية، وبطقس تراثي فلكلوري جميل لا يشاهد إلاّ هذه الأيام. فكما يؤكد أحد أصحاب المطاعم، الذي عرّفنا على نفسه بأبي حاتم القضماني، أنه في الأيام العادية ليس مسموحاً لهم استغلال الرصيف أمام مطعمهم لوضع الطاولات والكراسي واستقبال الصائمين، خاصة أنه لا يوجد في دمشق مقاهي الأرصفة، ولكن ولمجيء الشهر الفضيل في فصل الصيف، ولانعدام الحركة في الشارع والسوق في فترتي الإفطار والسحور، فلا توجد موانع من استغلالنا الرصيف، خاصة أن الكثير من الصائمين يرتاحون لتناول الطعام في هذا الطقس الجميل، ومعظم هؤلاء يكونون من زوار دمشق والنائمين فيها القادمين من المدن السورية؛ لمتابعة معاملة لهم في وزارات الدولة. أحد الصائمين وكان يجلس على طاولة ينتظر صوت المؤذن ليبدأ بتناول الإفطار، قال لنا، هذه ظاهرة جميلة، أن أتناول الطعام على الرصيف فأنا قادم من مدينة دير الزور، وبالمصادفة اكتشفت هذه المطاعم التي تقدم الوجبات على الرصيف، صدقني إنها لحظات جميلة أشعر بها وأنا أتناول الإفطار على الرصيف، وأمامي سور القلعة التاريخية وسوق الحميدية القديم، وكيفما نظرت أشعر أنني أعيش في دمشق قبل 300 عام، إنه شعور لا يوصف!.

ولكن ليس فقط هذه المطاعم الشعبية تستغل الأرصفة لتستقبل الصائمين، فثمة أناس آخرون يتناولون الإفطار والسحور وبشكل جماعي جميل، تملي عليهم مهنتهم ذلك، فنحن نتجول في أسواق دمشق وأزقتها القديمة، وتلك التي تعود للنصف الأول من القرن العشرين المنصرم، كان هناك في ساحة المرجة، وهي أول ميدان دمشقي، مجموعة من سائقي الحافلات العامة، وقد ركنوا حافلاتهم أمام الموقف مقابل شركة سيرياتل للهاتف الجوال، واجتمعوا ليتناولوا الإفطار معا، ويبدو أنهم حريصون على أن يكون تقليدياً، حيث المسبحة الشامية والفول والعرقسوس والسلطة، في فترة الإفطار، التي منحتهم إياها إدارتهم، والتي تستمر ساعة كاملة، ننظر إلى الجانب المقابل من ساحة المرجة، حيث يوجد عدد من المطاعم الدمشقية المعروفة بتقديمها للأطباق الشامية على الإفطار، المطعم امتلأت طاولاته بالزبائن في الداخل وعلى الرصيف.

في وسط الساحة أيضاً وبجانب العمود الشهير، الذي بُني مع تأسيس الساحة قبل مائة عام، وبُني على هذا العمود مجسم لجامع هو الأصغر في العالم، وجاء هذا العمود والمجسم تذكاراً لتدشين الاتصالات بين دمشق والمدينة المنورة في أواخر العهد العثماني، ومتزامناً مع إطلاق الخط الحديدي الحجازي ومحطة القطارات المجاورة لساحة المرجة، وقد أقيم العمود والنصب التذكاري سنة 1907، أيام الوالي العثماني حسين ناظم باشا، ولا يزال إلى اليوم. وقد صمم هذا النصب فنان إيطالي وقام بتنفيذه من معدن البرونز، كما أقام فوقه نموذجاً دقيقاً لجامع يلدز في العاصمة اسطنبول، بجواره اجتمع عدد من الباعة الجائلين وباعة البسطات، الذين يوجدون في ساحة المرجة بشكل دائم، ويتنافسون في الأيام العادية على بيع ما يحملونه من مواد مختلفة، ولكنهم ومع روحانية الشهر الفضيل، وكما يقول أحدهم ويدعى حامد سروجي، اتفقنا كل يوم أن نتناول طعام الإفطار بشكل جماعي على الرصيف، وأن نتجاوز خلافاتنا ومنافستنا لبعضنا بعضا، ونعيش طقوس هذا الشهر الكريم.

ننطلق من المرجة متجهين إلى سوقي الصالحية والحمراء الشهيرين وسط دمشق، وكان قد مضى ساعة على بدء موعد الإفطار، الحركة تعود للسوقين ولشوارع دمشق عموماً بشكل تدريجي مع الثامنة مساء، ولتستمر حتى موعد السحور وتزداد كثافة مع بدء النصف الثاني من الشهر الفضيل.